المبحث الأول: عناية المسلمين باللغة خدمةً للقرآن الكريم
حازت العربية شرفاً عظيماً؛ إذ نزل القرآن الكريم بلسانها المبين، وقد اصطفاها الله سبحانه لوحيه مِنْ بين لغات البشر، وفي إنزال القرآن الكريم باللغة العربية مَرْتَبَةٌ رفيعة لعِلْم العربية، ووجه الدلالة (١) أنه تعالى أخبر أنه أنزله عربياً في سياق التمدُّح، والثناء على الكتاب بأنه مبين لم يتضمن لَبْساً، عزيزٌ لا يأتيه الباطل مِنْ بين يديه ولا مِنْ خلفه، وذلك يدلُّ دلالة ظاهرة على شرف اللغة التي أُنْزل بها.
وقد عُنِي السلف بالعربية، وأقبلوا على خدمتها على نحوٍ شامل، وأيقنوا أن دراستها والتأليف فيها ضربٌ من ضروب العبادة، يتقرَّبون به إلى الله (٢).
وقد استحقَّتْ خدمة العلماء للغة القرآن الوقوف على أوجه هذه الخدمة وفروعها المختلفة، ولا يَسَعُنا في هذا البحث الموجز إلا أن نشير إلى بعضها باختصار، فمن ذلك:
١ - التأليف في ((لغات القبائل الواردة في القرآن)). اجتهد علماء العربية في بيان أصول الألفاظ القرآنية، وعَزَوها إلى قبائلها الأصلية، وبَيَّنوا المعنى المراد باللفظ القرآني لدى هذه القبيلة؛ وذلك لأن القرآن الكريم نزل بلغة قريش التي استقَتْ مِنْ صفوة لغات العرب ما راقَها.

(١) الصعقة الغضبية في الرد على منكري العربية للطوفي ٢٣٦.
(٢) لغة القرآن للدكتور إبراهيم أبو عباة ١٦.


الصفحة التالية
Icon