عِلَّةَ إِبْدَاعِهِ، وَفِي كُلِّ مُخْتَرَعٍ أُعْجِبَ بِهِ الْحِكْمَةَ الْعَامَّةَ فِي الْإِقْدَارِ عَلَى اخْتِرَاعِهِ:
إِذَا لَمْ تُشَاهِدْ غَيْرَ حُسْنِ شِيَاتِهَا | وَأَعْضَائِهَا فَالْحُسْنُ عَنْكَ مُغَيَّبُ |
وَرُؤْيَةِ إِبْدَاعِهِ فِي كُلِّ بَدِيعٍ، وَمَعْرِفَةِ كَمَالِهِ فِي كُلِّ كَامِلٍ ; لِأَنَّهُ مَصْدَرُ كُلِّ شَيْءٍ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [٣٢: ٧] هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [٥٧: ٣] وَأَمَّا حُبُّهُ - تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ - لِعِبَادِهِ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ وَيَتَّبِعُونَ رَسُولَهُ الَّذِي هَدَاهُمْ إِلَى مَعْرِفَتِهِ، وَدَلَّهُمْ عَلَى سَبِيلِ حُبِّهِ وَعِبَادَتِهِ، فَهُوَ شَأْنٌ مِنْ شُئُونِهِ الْإِلَهِيَّةِ فِي عِبَادِهِ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا مَنْ ذَاقَهُ، وَعَرَفَ وَصْلَ الْحَبِيبِ وَفِرَاقَهُ، وَصَارَ مَظْهَرًا مِنْ مَظَاهِرِ حِكْمَتِهِ، وَمَجْلًى مِنْ مَجَالِي إِبْدَاعِهِ، وَمَصْدَرًا مِنْ مَصَادِرِ الْخَيْرِ فِي عِبَادِهِ، وَرُوحًا مِنْ أَرْوَاحِ النِّظَامِ فِي خَلْقِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إِذَا تَخَلَّقَ بِأَخْلَاقِ اللهِ، وَتَحَقَّقَ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ - جَلَّ عُلَاهُ -، حَتَّى صَارَ فِي نَفْسِهِ مِنْ خُلَفَاءِ اللهِ، كَمَا أَرْشَدَهُ كِتَابُ اللهِ، وَلَا يُمْكِنُ الْإِفْصَاحُ عَنْ هَذَا الْمَقَامِ ; لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِالذَّوْقِ لَا بِالْكَلَامِ، وَإِنَّمَا يَذُوقُهُ مَنْ أَحَبَّ اللهَ، وَعَرَفَ كَيْفَ يُعَامِلُ مَنْ أَحَبَّهُ وَاصْطَفَاهُ، فَاعْمَلْ لِذَلِكَ لِتَعْرِفَ مَا هُنَالِكَ.
تَحَبَّبْ فَإِنَّ الْحُبَّ دَاعِيَةُ الْحُبِّ | وَكَمْ مِنْ بَعِيدِ الدَّارِ مُسْتَوْجِبُ الْقُرْبِ |