إِلَّا عَامٌ نَرْعَى فِيهِ الشَّجَرَ وَنَشْرَبُ فِيهِ اللَّبَنَ، وَقَدْ بَدَا لِي أَنْ أَرْجِعَ وَأَكْرَهُ أَنْ يَخْرُجَ مُحَمَّدٌ وَلَا أَخْرُجُ أَنَا فَيَزِيدُهُمْ ذَلِكَ جُرْأَةً فَالْحَقْ بِالْمَدِينَةِ فَثَبِّطْهُمْ وَلَكَ عِنْدِي عَشَرَةٌ مِنَ الْإِبِلِ أَضَعُهَا فِي يَدَيْ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو. فَأَتَى نُعَيْمٌ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْمُسْلِمِينَ يَتَجَهَّزُونَ لِمِيعَادِ أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ لَهُمْ: مَا هَذَا بِالرَّأْيِ، أَتَوْكُمْ فِي دِيَارِكُمْ وَقَرَارِكُمْ فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْكُمْ إِلَّا شَرِيدٌ، فَتُرِيدُونَ أَنْ تَخْرُجُوا إِلَيْهِمْ وَقَدْ جَمَعُوا لَكُمْ عِنْدَ الْمَوْسِمِ! فَوَاللهِ لَا يُفْلِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ. فَوَقَعَ هَذَا الْكَلَامُ فِي قُلُوبِ قَوْمٍ مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَخْرُجَنَّ وَلَوْ وَحْدِي فَخَرَجَ وَمَعَهُ سَبْعُونَ رَاكِبًا يَقُولُونَ: " حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ " حَتَّى وَافَى بَدْرًا فَأَقَامَ بِهَا ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ يَنْتَظِرُ أَبَا سُفْيَانَ فَلَمْ يَلْقَوْا أَحَدًا لِأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجَعَ بِجَيْشِهِ إِلَى مَكَّةَ (وَكَانَ مَعَهُ - كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - أَلْفَا رَجُلٍ) فَسَمَّاهُ أَهْلُ مَكَّةَ جَيْشَ السَّوِيقِ، وَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّمَا خَرَجْتُمْ لِتَشْرَبُوا السَّوِيقَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَوَافَى الْمُسْلِمُونَ سُوقَ بَدْرٍ وَكَانَتْ مَعَهُمْ نَفَقَاتٌ وَتِجَارَاتٌ فَبَاعُوا وَاشْتَرَوْا أُدْمًا وَزَبِيبًا وَرَبِحُوا وَأَصَابُوا بِالدِّرْهَمِ دِرْهَمَيْنِ وَانْصَرَفُوا إِلَى الْمَدِينَةِ سَالِمِينَ غَانِمِينَ. وَقَالَ فِي ذَلِكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ أَوْ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ:
وَعَدْنَا أَبَا سُفْيَانَ وَعْدًا فَلَمْ نَجِدْ | لِمِيعَادِهِ صِدْقًا وَمَا كَانَ وَافِيَا |
فَأُقْسِمُ لَوْ وَافَيْتَنَا فَلَقِيتَنَا | لَأُبْتَ ذَمِيمًا وَافْتَقَدْتَ الْمَوَالِيَا |
تَرَكْنَا بِهِ أَوْصَالَ عُتْبَةَ وَابْنَهُ | وَعَمْرًا أَبَا جَهْلٍ تَرَكْنَاهُ ثَاوِيَا |
عَصَيْتُمْ رَسُولَ اللهِ أُفٍّ لِدِينِكُمْ | وَأَمْرِكُمُ الشَّيْءَ الَّذِي كَانَ غَاوِيَا |
وَإِنِّي وَإِنْ عَنَّفْتُمُونِي لَقَائِلٌ | فِدًى لِرَسُولِ اللهِ أَهْلِي وَمَالِيَا |
أَطَعْنَاهُ لَمْ نَعْدِلْهُ فِينَا بِغَيْرِهِ | شِهَابًا لَنَا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ هَادِيَا |
الْمُنَافِقُونَ، وَأَمَّا النَّاسُ الَّذِينَ جَمَعُوا الْجُمُوعَ لِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ وَأَعْوَانُهُ قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ ذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ قَالَهُ رَكْبُ عَبْدِ الْقَيْسِ وَتَحَدَّثَ بِهِ الْمُنَافِقُونَ ; فَإِنَّ الْأَمْرَ الْكَبِيرَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَتَحَدَّثَ بِهِ النَّاسُ وَيَذْهَبُونَ فِيهِ مَعَ أَهْوَائِهِمْ. وَقَالَ أَيْضًا: إِنَّ السَّبْعِينَ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى بَدْرٍ الصُّغْرَى أَوْ (بَدْرٍ الْمَوْعِدِ) هُمُ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ، فَتَصْدُقُ الْآيَةُ عَلَى الْقِصَّتَيْنِ