أَنْ يَجْعَلُوا أَوَّلَ الْجُزْءِ الْخَامِسِ قَوْلَهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ (٤: ٢٩)، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
فَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، أَيْ: وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ، وَالْمُحْصَنَاتُ: جَمْعُ مُحْصَنَةٍ بِفَتْحِ الصَّادِ، اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ أَحْصَنَ عِنْدَ جَمِيعِ الْقُرَّاءِ، وَرُوِيَ عَنِ الْكِسَائِيِّ كَسْرُهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَطْ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ الْفَتْحُ عَنْهُ، وَالْإِحْصَانُ مِنَ الْحِصْنِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمَنِيعُ الْمَحْمِيُّ، فَفِيهِ مَعْنَى الْمَنْعِ الشَّدِيدِ، وَيُقَالُ: حَصُنَتِ الْمَرْأَةُ ـ بِضَمِّ الصَّادِ ـ حِصْنًا وَحَصَانَةً، أَيْ: عَفَّتْ فَهِيَ حَاصِنٌ وَحَاصِنَةٌ وَحَصَانٌ وَحَصْنَاءُ ـ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا ـ قَالَ الشَّاعِرُ:
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ | وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ |
النُّكْتَةِ فِي ذَلِكَ، قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: قَدِ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ الْمُفَسِّرُونَ حَتَّى رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ مَنْ يُفَسِّرُهَا لِي لَضَرَبْتُ إِلَيْهِ أَكْبَادَ الْإِبِلِ، أَيْ: لَسَافَرَ إِلَيْهِ وَإِنْ بَعُدَ مَكَانُهُ، وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ يَكَادُ يَكُونُ بَدِيهِيًّا ; فَإِنَّ لَفْظَ الْمُحْصَنَاتِ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْعَفِيفَاتُ، أَوِ الْمُسْلِمَاتُ، فَلَوْ لَمْ يَقُلْ هُنَا: مِنَ النِّسَاءِ، لَتَوَهَّمَ أَنَّ (الْمُحْصَنَاتِ) إِنَّمَا يَحْرُمُ نِكَاحُهُنَّ إِذَا كُنَّ مُسْلِمَاتٍ، فَأَفَادَ هَذَا الْقَيْدُ الْعُمُومَ وَالْإِطْلَاقَ، أَيْ أَنَّ عَقْدَ الزَّوْجِيَّةِ مُحْتَرَمٌ مُطْلَقًا لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْكَافِرَاتِ وَالْحَرَائِرِ وَالْمَمْلُوكَاتِ، فَيَحْرُمُ تَزَوُّجُ أَيَّةِ امْرَأَةٍ فِي عِصْمَةِ رَجُلٍ وَحِصْنِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْمُحْصَنَاتِ