مَا يُحَقِّرُونَهُ فِي اعْتِقَادِهِمْ، يَقُولُونَ: مَا هُوَ فُلَانٌ؟ لَا يَعْلَمُ إِلَّا كَذَا وَكَذَا مِمَّا يَعْلَمُهُ الصِّبْيَانُ، وَمَا هِيَ أَعْمَالُهُ الَّتِي تُذْكَرُ لَهُ؟ إِنَّهُ لَيَقْدِرُ عَلَيْهَا كُلُّ النَّاسِ، أَوْ إِنَّهُ يَقْصِدُ بِهَا السُّمْعَةَ وَالرِّيَاءَ، أَوْ ظَاهِرُهَا نَفْعٌ وَبَاطِنُهَا إِيذَاءٌ، وَلَكِنْ مَا بَالُهُمْ قَدْ أَصْبَحُوا مِنْهُ فِي شُغْلٍ شَاغِلٍ؟، وَلِمَاذَا حَمَّلُوا أَنْفُسَهُمْ عَنَاءَ الْكَيْدِ لَهُ وَالْمَكْرِ بِهِ؟ أَلَمْ يَرَوْا شَرًّا فِي الْأَرْضِ يَسْعَوْنَ فِي إِزَالَتِهِ إِلَّا عِلْمَهُ النَّاقِصَ، وَعَمَلَهُ النَّافِعَ الَّذِي يَخْشَوْنَ احْتِمَالَ ضَرَرِهِ، أَلَا مُحَاسِبٌ الْحَاسِدُونَ أَنْفُسَهُمْ، فَيَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ يُسِيئُونَ إِلَيْهَا أَكْثَرَ مِمَّا يُسِيئُونَ إِلَى مَحْسُودِيهِمْ؟ أَلَا يَجِدُونَ لِأَنْفُسِهِمْ مَصْرِفًا عَنْ نَارِ الْحَسَدِ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى أَفْئِدَتِهِمْ، قَبْلَ أَنْ تَأْكُلَ بَقَايَا الرِّضَا بِقَضَاءِ اللهِ
وَقَدَرِهِ، وَقِسْمَتِهِ الْفَضْلَ بَيْنَ خَلْقِهِ؟ أَلَا لِلَّهِ دَرُّ التِّهَامِيِّ، حَيْثُ يَقُولُ:
إِنِّي لِأَرْحَمُ حُسَّادِي لِفَرْطِ مَا | ضَمَّتْ صُدُورُهُمْ مِنَ الْأَوْغَارِ |
نَظَرُوا صَنِيعَ اللهِ بِي فَعُيُونُهُمْ | فِي جَنَّةٍ وَقُلُوبُهُمْ فِي النَّارِ |
وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا.
وَجْهُ اتِّصَالِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا ظَاهِرٌ جِدًّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ هُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَيْثُ تَفْضِيلُ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ فِي الْإِرْثِ، وَكَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِعُمُومِ التَّمَنِّي فِي تِلْكَ الْآيَةِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ التَّحَاسُدِ وَتَمَنِّي مَا عِنْدَ الْغَيْرِ يَكُونُ فِي الْمَالِ، وَقَلَّمَا يَتَمَنَّى النَّاسُ مَا فَضَلَهُمْ بِهِ غَيْرُهُمْ مِنَ الْجَاهِ إِلَّا مِنْ حَيْثُ إِنَّ ذَلِكَ الْجَاهَ يَسْتَتْبِعُ الْمَالَ فِي الْغَالِبِ، فَالْعَالِمُ الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا الْمُعْرِضُ عَنْهَا لَا يَكَادُ يَحْسُدُهُ عَلَى عِلْمِهِ أَحَدٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِعِلَّةٍ غَيْرِ الْعِلْمِ كَأَنْ يَكُونَ عِلْمُهُ مُظْهِرًا لِجَهْلِ الْأَدْعِيَاءِ وَيَنْقُصُ مِنْ رِزْقِهِمْ وَاحْتِرَامِهِمْ.