مَا كَانَ يَعْرِفُهُ مُعَاشِرُوهُ مِنْ قُرَيْشٍ. وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ فِي جُمَلٍ شَرْطِيَّةٍ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ وَغَيْرِهَا كَالشَّوَاهِدِ الَّتِي تَرَاهَا فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ التَّالِيَةِ:
(وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا) أَكَّدَ اللهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصِيغَةِ الْقَسَمِ أَنَّ الرُّسُلَ الَّذِينَ أُرْسِلُوا قَبْلَهُ قَدْ كَذَّبَتْهُمْ أَقْوَامُهُمْ فَصَبَرُوا عَلَى تَكْذِيبِهِمْ وَإِيذَائِهِمْ لَهُمْ إِلَى أَنْ نَصْرَهُمُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، أَيْ: فَإِنْ كُذِّبْتَ فَلَكَ أُسْوَةٌ بِمَنْ قَبْلَكَ، فَلَسْتَ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِالشَّرْطِيَّةِ فِي آيَاتٍ أُخْرَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي " سُورَةِ الْحَجِّ ": (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ) (٢٢: ٤٢) إِلَخْ. وَقَوْلِهِ فِي " سُورَةِ فَاطِرٍ ": (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) (٣٥: ٤) إِلَخْ. (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (٣٥: ٢٥) إِلَخْ. وَالْآيَةُ تَسْلِيَةٌ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ تَسْلِيَةٍ، وَإِرْشَادٌ لَهُ إِلَى سُنَّتِهِ تَعَالَى فِي الرُّسُلِ وَالْأُمَمِ أَوْ هِيَ تَذْكِيرٌ بِهَذِهِ السُّنَّةِ، وَمَا تَتَضَمَّنُهُ مِنْ حُسْنِ الْأُسْوَةِ، إِذْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْآيَةُ أَوَّلَ مَا نَزَلَ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَقَدْ صَرَّحَ بِوُجُوبِ هَذَا الصَّبْرِ عَلَيْهِ تَأَسِّيًا فِي قَوْلِهِ: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) (٤٦: ٣٥) وَاسْتِقْلَالًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا مَا نَزَلَ قَبْلَ هَذِهِ السُّورَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي " سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ ": (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا) (٧٣: ١٠) وَقَدْ ثَبَتَ بِالتَّجَارِبِ أَنَّ التَّأَسِّيَ يُهَوِّنُ الْمُصَابَ وَيُفِيدُ شَيْئًا مِنَ السَّلْوَةِ، قَالَتِ الْخَنْسَاءُ:
وَلَوْلَا كَثْرَةُ الْبَاكِينَ حَوْلِي | عَلَى إِخْوَانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي |
وَمَا يَبْكُونَ مِثْلَ أَخِي وَلَكِنْ | أُعَزِّي النَّفْسَ عَنْهُ بِالتَّأَسِّي. |
عِنْدَ تِلَاوَةِ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي بَيَانِ حَالِ الْكُفَّارِ وَمُحَاجَّتِهِمْ وَإِنْذَارِهِمْ.
وَ " مَا " فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (عَلَى مَا كُذِّبُوا) مَصْدَرِيَّةٌ (وَأُوذُوا) عَطْفٌ عَلَى (كُذِّبُوا) أَيْ فَصَبَرُوا عَلَى تَكْذِيبِ أَقْوَامِهِمْ لَهُمْ وَإِيذَائِهِمْ إِيَّاهُمْ. وَالْإِيذَاءُ فِعْلُ الْأَذَى، وَهُوَ مَا يُؤْلِمُ