قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي مَادَّةِ وَصْفِ الْأَسَاسِ: وَمِنَ الْمَجَازِ وَجْهُهَا يَصِفُ الْحُسْنَ، وَلِسَانُهُ يَصِفُ الْكَذِبَ، وَذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ نَاقَةٌ تَصِفُ الْإِدْلَاجَ. قَالَ الشَّمَّاخُ:
إِذَا مَا أَدْلَجَتْ وَصَفَتْ يَدَاهَا | لَهَا الْإِدْلَاجَ لَيْلَةَ لَا هُجُوعَ |
سَرَى بَرْقُ الْمَعَرَّةِ بَعْدَ وَهْنٍ | فَبَاتَ بِرَامَةٍ يَصِفُ الْمَلَالَا |
لِيَتَرَوَّى السَّامِعُ فِيهِ، وَيَتَأَمَّلَ مَا وَرَاءَ قَوَادِمِهِ مِنْ خَوَافِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّ خُسْرَانَ الْأَوْلَادِ يَسْتَلْزِمُ خُسْرَانَ كُلِّ مَا كَانَ يُرْجَى مِنْ فَوَائِدِهِمْ مِنَ الْعِزَّةِ وَالنُّصْرَةِ، وَالْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْفَخْرِ وَالزِّينَةِ وَالسُّرُورِ وَالْغِبْطَةِ، كَمَا يَسْتَلْزِمُ خُسْرَانَ الْوَالِدِ الْقَاتِلِ لِعَاطِفَةِ الْأُبُوَّةِ وَرَأْفَتِهَا، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنَ الْقَسْوَةِ وَالْغِلْظَةِ وَالشَّرَاسَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ الَّتِي يَضِيقُ بِهَا الْعَيْشُ فِي الدُّنْيَا وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْعِقَابُ فِي الْآخِرَةِ ; وَلِذَلِكَ عُلِّلَ هَذَا الْجُرْمُ بِسَفَهِ النَّفْسِ وَهُوَ اضْطِرَابُهَا وَحَمَاقَتُهَا، وَبِالْجَهْلِ أَيْ عَدَمُ الْعِلْمِ بِمَا يَنْفَعُ وَيَضُرُّ وَمَا يَحْسُنُ وَيَقْبُحُ.
ثُمَّ بَيَّنَ بَعْدِ هَذَا أَنَّهُمْ حَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللهُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَهَذَا سَفَهٌ وَجَهْلٌ أَيْضًا وَلَكِنَّهُ دُونَ مَا سَبَقَهُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ ; وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَى تَعْلِيلِهِ بَشَرِّ مَا فِيهِ مِنَ الْقُبْحِ وَهُوَ الِافْتِرَاءُ عَلَى اللهِ بِجَعْلِهِ دِينًا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْهِ. ثُمَّ بَيَّنَ نَتِيجَةَ الْأَمْرَيْنِ بِأَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا فِيهِمَا، وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ مِنْ طَرِيقِ الْعَقْلِ وَلَا مِنْ طَرِيقِ الشَّرْعِ، وَلَا مِنْ مَنَافِعِ الدُّنْيَا وَلَا مِنْ سَعَادَةِ الْآخِرَةِ، فَهَذِهِ الْأَعْمَالُ أَقْبَحُ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْعَرَبُ مِنْ غِوَايَةِ الشِّرْكِ وَقَدْ عَادَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ شَيْءٌ مِنْهُ بِتَحْرِيمِ مَا لَمْ يُحَرِّمِ اللهُ وَجَعْلِهِ دِينًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ.
أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا سَرَّكَ أَنْ تَعْلَمَ جَهْلَ الْعَرَبِ فَاقْرَأْ مَا فَوْقَ الثَّلَاثِينَ وَمِائَةٍ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا) إِلَى قَوْلِهِ: (وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: نَزَلَتْ