عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمَّا دَعَا الْجَدَّ بْنَ قَيْسٍ إِلَى جِهَادِ الرُّومِ قَالَ: إِنِّي إِذَا رَأَيْتُ النِّسَاءَ لَمْ أَصْبِرْ حَتَّى أُفْتَتَنَ وَلَكِنْ أُعِينُكَ بِمَالِي، فَفِيهِ نَزَلَ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ وَقَدْ ضَعَّفَ (الطَّبَرِيُّ) هَذَا الْقَوْلَ بِالتَّعْبِيرِ عَنْهُ بِـ " قِيلَ " وَالْحَقُّ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ تَشْمَلُ هَذَا وَغَيْرَهُ، وَأَنَّهَا نَزَلَتْ مَعَ غَيْرِهَا مِنْ هَذَا السِّيَاقِ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ لَا عَقِبَ قَوْلِ جَدِّ بْنِ قَيْسٍ مَا قَالَ قَبْلَهُ، وَالْمَعْنَى: قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ: أَنْفِقُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ أَمْوَالِكُمْ فِي الْجِهَادِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا أَمَرَ اللهُ بِهِ فِي حَالِ الطَّوْعِ لِلتَّقِيَّةِ، أَوِ الْكُرْهِ خَوْفَ الْعُقُوبَةِ، فَمَهْمَا تُنْفِقُوا فِي الْحَالَتَيْنِ لَنْ يَتَقَبَّلَ اللهُ مِنْكُمْ شَيْئًا مِنْهُ، مَا دُمْتُمْ عَلَى شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ الرَّسُولُ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ
وَالْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ فِي الْآخِرَةِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ مَا يُنْفِقُونَهُ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى إِطْلَاقِهِ فِي جَمِيعِهِمْ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى إِجْرَاءِ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ عَلَيْهِمْ تَقْتَضِي وُجُوبَ أَخْذِ زَكَاتِهِمْ وَنَفَقَاتِهِمْ، إِلَّا أَنْ يُوجَدَ مَانِعٌ خَاصٌّ فِي شَأْنِ بَعْضِهِمْ، كَمَا سَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِهِ: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ (٧٥) الْآيَاتِ.
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ جَرِيرٍ وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ: وَخَرَجَ قَوْلُهُ: أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا مَخْرَجَ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ. وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْأَمَاكِنِ الَّتِي يَحْسُنُ فِيهَا " إِنِ " الَّتِي تَأْتِي بِمَعْنَى الْجَزَاءِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ فَهُوَ فِي لَفْظِ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَسِيئِي بِنَا أَوْ أَحْسِنِي لَا مَلُومَةً | لَدَيْنَا وَلَا مَقْلِيَّةً إِنْ تَقَلَّتِ |