فصل في كلام النبي، صلى الله عليه وسلم، وأمور تتصل بالاعجاز إن قال قائل: إذا كان النبي ﷺ أفصح العرب - وقد قال هذا في حديث مشهور، وهو صادق في قوله - فهلا قلتم إن القرآن من نظمه لقدرته في الفصاحة على مقدار لا يبلغه غيره؟ قيل: قد علمنا أنه لم يتحدَّهم إلى مثل قوله وفصاحته.
والقدر الذي بينه وبين كلام غيره من الفصحاء (١)، كقدر ما بين شعر الشاعرين، وكلام الخطيبين في الفصاحة (٢)، وذلك مما لا يقع به الإعجاز.
وقد بينا قبل هذا: أنا إذا وازنا بين خطبه ورسائله وكلامه المنثور، وبين نظم القرآن - تبين من البون بينهما مثل ما بين كلام الله عز وجل و [بين] (٣) كلام الناس، فلا (٤) معنى لقول من ادعى أن كلام النبي ﷺ معجز وإن كان دون القرآن في الاعجاز.
فإن (٥) قيل: لولا أن كلامه معجز لم يشتبه على ابن مسعود الفصل / بين المعوذتين وبين غيرهما من القرآن (٦) ؟

(١) كذا في س، ك.
وفى م.
: " والقدر الذى بين كلامه وكلامهم من الفصاحة كقدر " (٢) م: " وذلك م الا يقع الاعجاز به " (٣) الزيادة من م " (٤) س: " ولا " (٥) م: " فلو " (٦) يزعم بعض الرواة عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي أنه قال: " كان عبد الله بن مسعود يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله "! ! ! وقال السيوطي في الاتقان ٢ / ١٣٧: " وقال النووي في شرح المهذب: أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد منها
شيئا كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح.
وقال ابن حزم في كتاب القدح المعلى، تتميم المحلى: هذا كذب على ابن مسعود وموضوع ".
وقد أبى ابن حجر إلا تصحيح تلك الرواية، فقال في شرح البخاري: " فقول من قال إنه كذب عليه مردود، والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل بل الرواية صحيحة، والتأويل محتمل ".
ثم لم يستطع تأويلا مقبولا، والله يغفر لنا وله.
وانظر تأويل مشكل القرآن ص ٢٠، ٢١، ٣٣ - ٣٥.
(*)


الصفحة التالية
Icon