بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ النَّحْلِقَوْلُهُ تَعَالَى: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ الْآيَةَ.
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الضَّالِّينَ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً، وَيَحْمِلُونَ أَيْضًا مِنْ أَوْزَارِ الْأَتْبَاعِ الَّذِينَ أَضَلُّوهُمْ.
وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْمِلُ أَحَدٌ وِزْرَ غَيْرِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [٣٥ ١٨]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [٦ ١٦٤].
وَالْجَوَابُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الضَّالِّينَ مَا حَمَلُوا إِلَّا أَوْزَارَ أَنْفُسِهِمْ، لِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوا وِزْرَ الضَّلَالِ وَوِزْرَ الْإِضْلَالِ.
فَمَنَّ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا، وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا، لِأَنَّ تَشْرِيعَهُ لَهَا لِغَيْرِهِ ذَنْبٌ مِنْ ذُنُوبِهِ فَأُخِذَ بِهِ.
وَبِهَذَا يَزُولُ الْإِشْكَالُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ الْآيَةَ [٢٩ ١٣].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا.
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ يُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّ السَّكَرَ الْمُتَّخَذَ مِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ لَا بَأْسَ بِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ امْتَنَّ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي سُورَةِ الِامْتِنَانِ الَّتِي هِيَ سُورَةُ «النَّحْلِ».
وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْخَمْرَ بِقَوْلِهِ: رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ الْآيَةَ [٥ ٩٠]، لِأَنَّهُ وَصَّفَهَا بِأَنَّهَا رِجْسٌ، وَأَنَّهَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ وَأَمَرَ
بِاجْتِنَابِهَا وَرَتَّبَ عَلَيْهِ رَجَاءَ الْفَلَاحِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَجْتَنِبْهَا لَمْ يُفْلِحْ،