سورة الكوثر
وتسمى كما قال البقاعي سورة النحر. وهي مكية في قول ابن عباس والكلبي ومقاتل، ونسب في البحر إلى الجمهور، مدنية في قول الحسن وعكرمة وقتادة ومجاهد، وفي الإتقان أنه الصواب ورجحه النووي عليه الرحمة في شرح صحيح مسلم لما
أخرج الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي في سننه وغيرهم عن أنس بن مالك قال: أغفى رسول الله صلّى الله عليه وسلم إغفاءة فرفع رأسه متبسما فقال: «إنه أنزل عليّ آنفا سورة» فقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ حتى ختمها الحديث.
وفي أخبار سبب النزول ما يقتضي كلّا من القولين وستسمع بعضا منها إن شاء الله تعالى. ومن هنا استشكل أمرها وذكر الخفاجي أن لبعضهم تأليفا صحح فيه أنها نزلت مرتين وحينئذ فلا إشكال. وآيها ثلاث بلا خلاف وليس في القرآن كما أخرج البيهقي عن ابن شبرمة سورة آيها أقل من ذلك بل قد صرحوا بأنها أقصر سورة في القرآن. وقال الإمام: هي كالمقابلة للتي قبلها لأن السابقة وصف الله تعالى فيها المنافق بأربعة أمور البخل وترك الصلاة والرياء ومنع الزكاة فذكر عز وجل في هذه السورة في مقابلة البخل إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر: ١] أي الخير الكثير، وفي مقابلة ترك الصلاة فَصَلِّ [الكوثر: ٢] أي دم على الصلاة، وفي مقابلة الرياء لِرَبِّكَ [الكوثر: ٢] أي لرضاه لا للناس وفي مقابلة منع الماعون وَانْحَرْ [الكوثر: ٣] وأراد به سبحانه التصدق بلحوم الأضاحي. ثم قال: فاعتبر هذه المناسبة العجيبة انتهى فلا تغفل.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْناكَ وقرأ الحسن وطلحة وابن محيصن والزعفراني «أنطيناك» بالنون وهي على ما قال التبريزي لغة العرب العرباء من أولى قريش، وذكر غيره أنها لغة بني تميم وأهل اليمن وليست من الإبدال الصناعي في شيء.
ومن كلامه صلّى الله عليه وسلم: «اليد العليا المنطية واليد السفلى المنطاة»
وكتب عليه الصلاة والسلام لوائل: «أنطوا الثبجة- أي الوسط- في الصدقة»
. الْكَوْثَرَ فيه أقوال كثيرة. فذهب أكثر المفسرين إلى أنه نهر في الجنة لقوله صلّى الله عليه وسلم في آخر الحديث المتقدم آنفا المروي
عن الإمام أحمد ومسلم ومن معهما: «هل تدرون ما الكوثر؟» قالوا: الله تعالى ورسوله أعلم. قال: «هو نهر أعطانيه ربي في الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد الكواكب يختلج العبد منهم فأقول: يا رب إنه من أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدث بعدك»