الفصل الثالث: الفصل والوصل بعد الجرجاني:
أولا: الزمخشري:
الزمخشري والفصل:
تمهيد:
١- تعريف الفصل والوصل:
سأدع النصوص تكشف عن جهود الزمخشري في رسم معالم الفصل والوصل وجمالياته، وأقصد من وراء هذا إلى تفتيق جوانب الموضوع حين طرح على صعيد القرآن الكريم بيد صناع، وأقصد أيضا إلى تبيان أن البلاغة تذوق مبني على أحكام عامة متفق عليها، على ألا تطغى الأحكام أو تنفرد الأذواق -وسيكون لي تعليق على جهود الزمخشري في نهاية التجوال.
في تعريفه للفصل والوصل يقول في تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ ١. "الفصل: التمييز بين الشيئين، وقيل للكلام البين، فصل بمعنى المفصول، لأنهم قالوا: كلام ملتبس وفي كلامه لبس، والملتبس المختلط، فقيل في نقيضه فصل، أي مفصول بعضه من بعض، فمعنى فصل الخطاب، البين من الكلام الملخص الذي يتبينه من يخاطب به لا يلتبس عليه، ومن فصل الخطاب وملخصه، أن لا يخطئ صاحبه مظان الفصل والوصل، فلا يقف في كلمة الشهادة على المستثنى منه، ولا يتلو قوله: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ﴾ ٢، إلا موصولا بما بعده، ولا ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ﴾ حتى يصله بقوله: ﴿لَا تَعْلَمُونَ﴾ ٣ ونحو ذلك، وكذلك مظان العطف وتركه، والإضمار والإظهار، والحذف والتكرار، وإن شئت كان الفصل بمعنى الفاصل... "٤.
٢ الماعون: ٤.
٣ البقرة: ٢١٦.
٤ الكشاف ٣/ ٣٦٥ ط البابي الحلبي، القاهرة ١٩٦٨م.