الفصل الرابع: تذوق الفصل والوصل في القرآن الكريم:
أولا: أوجه القصور في قواعد البلاغيين للفصل والوصل:
١- قواعد الفصل:
حددوا للفصل قواعد خمسا:
الأولى: أن تتحد الجملتان اتحادًا تامًّا بحيث تنزل الثانية من الأولى منزلة نفسها، بأن تكون مؤكدة لها مثل قوله تعالى: ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ ١، أو موضحة ومبينة لها مثل قوله تعالى: ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى﴾ ٢، أو بدلا منها، بدل كل، مثل قوله تعالى: ﴿بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ، قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ ٣، أو بدل بعض، مثل قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ، وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ ٤، أو بدل اشتمال، مثل قوله تعالى: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ، اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ ٥.
وسموا ذلك "كمال الاتصال".
والثانية: أن يكون بين الجملتين تباين تام، وذلك باختلاف الجملتين، خبرا وإنشاء لفظا ومعنى، كقوله تعالى: ﴿وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ ٦، أو معنًى فقط "نجح خالد وفقه الله"، وألا تكون بينهما مناسبة، بشرط ألا يوهم الفصل خلاف المقصود نحو قول الشاعر:

الفقر فيما جاوز الكفافا من اتقى الله رجا وخافا
وسموا ذلك: "كمال الانقطاع".
والثالثة: أن تكون الجملة الثانية جوابا عن سؤال يفهم من الأولى، فتفصل الثانية عن الأولى كما يفصل الجواب عن السؤال، لما بينهما من الاتصال مثل قوله تعالى: ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ ٧.
١ الطارق: ١٧.
٢ طه: ١٢٠.
٣ المؤمنون: ٨١-٨٢.
٤ الشعراء: ١٣٢، ١٣٣.
٥ يس: ٢٠، ٢١.
٦ الحجرات: ٩.
٧ هود: ٤٦.


الصفحة التالية
Icon