بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

سُورَةُ الْكَافِرُونَ
قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [١]. نِدَاءٌ لِلْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ، لَمَّا عَرَضُوا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتْرُكَ دَعْوَتَهُ وَيُمَلِّكُوهُ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعْطُوهُ مِنَ الْمَالِ مَا يُرْضِيهِ وَنَحْوِهِ فَرَفَضَ، فَقَالُوا: تَقْبَلُ مِنَّا مَا نَعْرِضُهُ عَلَيْكَ: تَعْبُدُ آلِهَتَنَا سَنَةً وَنَعْبُدُ إِلَهَكَ سَنَةً، فَسَكَتَ عَنْهُمْ فَنَزَلَتْ، وَقَالُوا لَهُ: إِنْ يَكُنِ الْخَيْرُ مَعَنَا أَصَبْتَهُ، وَإِنْ يَكُنْ مَعَكَ أَصَبْنَاهُ.
وَفِي مَجِيءِ: قُلْ، مَعَ أَنَّ مَقُولَ الْقَوْلِ كَانَ قَدْ يَكْفِي فِي الْبَلَاغِ، وَلَكِنَّ مَجِيئَهَا لِغَايَةٍ فَمَا هِيَ؟
قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ: إِمَّا لِأَنَّهُمْ عَابُوهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا بِقَوْلِهِمْ: إِنَّهُ أَبْتَرُ فَجَاءَ قَوْلُهُ: قُلْ، إِشْعَارًا بِأَنَّ اللَّهَ يَرُدُّ عَنْ رَسُولِهِ بِهَذَا الْخِطَابِ، الَّذِي يُنَادِي عَلَيْهِمْ فِي نَادِيهِمْ بِأَثْقَلِ الْأَوْصَافِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ.
أَوْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا الْخِطَابُ فِيهِ مُغَايَرَةُ الْمَأْلُوفِ مِنْ تَخَاطُبِهِ مَعَهُمْ مِنْ أُسْلُوبِ الْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَكَانَ فِيهِ مِنَ التَّقْرِيعِ لَهُمْ وَمُجَابَهَتِهِمْ، قَالَ لَهُ: قُلْ: إِشْعَارًا بِأَنَّهُ مُبَلِّغٌ عَنِ اللَّهِ مَا أَمَرَ بِهِ، وَجَاءَتْ يَا، وَهِيَ لِنِدَاءِ الْبَعِيدِ، لِبُعْدِهِمْ فِي الْكُفْرِ وَالْعِنَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. قِيلَ: تَكْرَارٌ فِي الْعِبَارَاتِ لِلتَّوْكِيدِ، كَتَكْرَارِ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [٧٧ ١٥]، وَتَكْرَارِ: فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [٥٥ ١٣].
وَنَظِيرُهُ فِي الشِّعْرِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَرَ، مِنْ ذَلِكَ مَا أَوْرَدَهُ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:


الصفحة التالية
Icon