وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ إِسْرَائِيلُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ- قال- الكنود الَّذِي يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَضْرِبُ عَبْدَهُ وَيَمْنَعُ رَفْدَهُ» رواه ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ فَهَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ، وَقَدْ رواه ابن جرير أيضا من حديث جرير بْنِ عُثْمَانَ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ هَانِئٍ عَنْ أبي أمامة موقوفا. وقوله تعالى: وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ قَالَ قَتَادَةُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ:
وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ لِشَهِيدٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى الْإِنْسَانِ، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ وَإِنَّ الْإِنْسَانَ عَلَى كَوْنِهِ كَنُودًا لَشَهِيدٌ أَيْ بِلِسَانِ حَالِهِ أَيْ ظَاهِرٌ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: مَا كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ [التوبة: ١٧].
قوله تعالى: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ أَيْ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ وَهُوَ الْمَالُ لَشَدِيدٌ، وَفِيهِ مَذْهَبَانِ [أَحَدُهُمَا] أَنَّ الْمَعْنَى وَإِنَّهُ لَشَدِيدُ الْمَحَبَّةِ لِلْمَالِ [وَالثَّانِي] وَإِنَّهُ لَحَرِيصٌ بَخِيلٌ مِنْ مَحَبَّةِ الْمَالِ وَكِلَاهُمَا صحيح. ثم قال تبارك وتعالى مُزَهِّدًا فِي الدُّنْيَا وَمُرَغِّبًا فِي الْآخِرَةِ وَمُنَبِّهًا عَلَى مَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَ هَذِهِ الْحَالِ وَمَا يَسْتَقْبِلُهُ الْإِنْسَانُ مِنَ الْأَهْوَالِ: أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ أَيْ أُخْرِجَ مَا فِيهَا مِنَ الْأَمْوَاتِ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: يَعْنِي أَبْرَزَ وَأَظْهَرَ مَا كَانُوا يُسِرُّونَ فِي نُفُوسِهِمْ إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ أَيْ لَعَالِمٌ بِجَمِيعِ ما كانوا يصنعون ويعملون ومجازيهم عَلَيْهِ أَوْفَرَ الْجَزَاءِ وَلَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ.
آخر تفسير سورة العاديات، ولله الحمد والمنة.
تَفْسِيرُ
سُورَةِ الْقَارِعَةِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة القارعة (١٠١) : الآيات ١ الى ١١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (٤)
وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (٥) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (٦) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٧) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (٩)
وَما أَدْراكَ مَا هِيَهْ (١٠) نارٌ حامِيَةٌ (١١)
الْقَارِعَةِ مِنْ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَالْحَاقَّةِ وَالطَّامَّةِ وَالصَّاخَّةِ وَالْغَاشِيَةِ وغير ذلك. ثم قال تعالى مُعَظِّمًا أَمْرَهَا وَمُهَوِّلًا لِشَأْنِهَا: وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ أَيْ فِي انْتِشَارِهِمْ وَتَفَرُّقِهِمْ وَذَهَابِهِمْ وَمَجِيئِهِمْ مِنْ حَيْرَتِهِمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ كأنهم فراش مبثوث كما قال تعالى في الآية الأخرى: كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ [القمر: ٧].


الصفحة التالية
Icon