(باب)
الكلامِ في بيانِ الحكم في أول ما نزل من القرآنِ وآخِرِه
ومكِّيِّه ومدنِيِّه، وهل نصَّ الرسولُ عليه السلام على ذلك أم لا
فإن قال قائلٌ: كيف يمكن أن يكونَ أمرُ القرآن مي الظهور والانتشار
واستفاضةِ النقل وحصول علمِ السلف والخلف به، ومعرفتهم لجُملتِه وتفصيلِه وأوّلِه وآخرِه، ومكيّه ومدنيّه، والأحوالِ التي خرج عليها، والأسبابِ التي نزل لأجلِها: صحيحاً على ما قلتموه مع اختلافِ الصحابة الذين هم القدوةُ فيه عندَكم في أول ما أُنزِلَ منه وآخره، ومكيهِ ومدنيّه، وذهابِ بعضهم في ذلك إلى ما يزُده غيرُه ويدِينُ بخلافه، وما ذكرتموه من شهرةِ نقله ووجوبِ إحاطةِ السلفِ به يقتضي - إن كان على ما ادعَيتموه - معرفةَ القول بأول ما نزل منه وآخره، ومكيه ومدنيه، ومتى اختلفوا في ذلك عُلِمَ أنّ الأمرَ في ظهور نقله وانتشاره وقيامِ الحجَّة به بخلافِ ما قلتم وأنه لا سبيلَ إلى منع دخولِ التحريفِ فيه والتغيير له والزيادةِ والنقصان فيه، وعدم قيام الحجّة بكثير.
يُقال لهم: ليس فيما ذكرتموه من اختلافهم في هذين الفصلَين ما يُفسد
شيئا ممّا ادعيناه وكشفناه بواضح الأدلة عن صوابه، وذلك أننا لم ندعِ
وجوبَ ظهور ما نُقل ما لم ينصّ الرسول عليه، وتوفّر الهِمَمِ على معرفة ما