فصلٌ من هذا الباب
فأمّا دعوى الملحدةِ تناقضَ ما ورد من آي القرآنِ في الهُدى والضلالِ
وخلقِ الأفعالِ والقضاء، وتقديرِ الأعمالِ وتكليفِ ما لا يطاقُ وما يُكثر ابنُ
الروانديُّ وأضرابُه من هذا الباب وتَضلُّ به القدرية والمعتزلةُ ومن تابعَهم من
التعلقِ بهذه الآياتِ في حملهم لها على غيرِ تأويلِه وما قصَدَهُ اللهُ لها، إمّا
للجهلِ بذلك أو لقَصدِ العنادِ وإيثارِ التمويه والإلباس، فإنه لا تعلُّقَ للفريقينِ
في شيءٍ منه، ونحنُ نبيِّنُ ذلك بياناً يوقفُ على الواضحةِ إن شاءَ الله.
قال الملحدون: وممّا وردَ متنافيا متناقضاً من آي القرآن تناقضاً لا خفاءَ
به على أحدٍ قولُه: (وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ)، وقولُه: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً)، وقال: (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)، في أمثالِ
هذه الآيات ممّا فيها ذكرُ إضلال الله لمن أضلَّه ونحوِ قوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ)، وقوله: (إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا)، وقوله: (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا)، بعدَ قوله: (وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ).
وقوله: (ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ)، وقال: (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)، وقال: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ)، وقوله: " (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)، وقال: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠)