وَسُمِّيَتْ تِلْكَ الصُّوَرُ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ لِأَنَّهُمْ صَوَّرُوهَا عَلَى صُوَرِ أُولَئِكَ القوم من المسلمين.
[٢٤] ﴿وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا﴾ [نوح: ٢٤] أَيْ ضَلَّ بِسَبَبِ الْأَصْنَامِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ كَقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: ٣٦] وَقَالَ مُقَاتِلٌ: أَضَلَّ كُبَرَاؤُهُمْ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ. ﴿وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا﴾ [نوح: ٢٤] هَذَا دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ بَعْدَمَا أَعْلَمَ اللَّهُ نُوحًا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ [هود: ٣٦]
[٢٥] ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ﴾ [نوح: ٢٥] أي من خطيئاتهم، (وما) صِلَةٌ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو (خَطَايَاهُمْ) وكلاهما جمع خطيئة، ﴿أُغْرِقُوا﴾ [نوح: ٢٥] بالطوفان، ﴿فَأُدْخِلُوا نَارًا﴾ [نوح: ٢٥] قَالَ الضَّحَّاكُ: هِيَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الدُّنْيَا يُغْرَقُونَ مِنْ جَانِبٍ وَيَحْتَرِقُونَ مِنْ جَانِبٍ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: فَأُدْخِلُوا نَارًا فِي الْآخِرَةِ، ﴿فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا﴾ [نوح: ٢٥] لَمْ يَجِدُوا أَحَدًا يَمْنَعُهُمْ مِنْ عذاب الله الواحد القهار.
[٢٦] ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح: ٢٦] أَحَدًا يَدُورُ فِي الْأَرْضِ فَيَذْهَبُ ويجيء من الدوران، وقال القتيبي: إِنَّ أَصْلَهُ مِنَ الدَّارِ أَيْ نَازِلُ دَارٍ.
[٢٧] ﴿إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ﴾ [نوح: ٢٧] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: كَانَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ بِابْنِهِ إِلَى نُوحٍ فَيَقُولُ: احْذَرْ هَذَا فَإِنَّهُ كَذَّابٌ وَإِنَّ أَبِي حَذَّرَنِيهِ فَيَمُوتُ الْكَبِيرُ وَيَنْشَأُ الصَّغِيرُ عَلَيْهِ، ﴿وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ [نُوحٍ: ٢٧] قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَمُقَاتِلٌ وَالرَّبِيعُ وَغَيْرُهُمْ: إِنَّمَا قَالَ نُوحٌ هَذَا حِينَ أَخْرَجَ اللَّهُ كُلَّ مُؤْمِنٍ مِنْ أَصْلَابِهِمْ وَأَرْحَامِ نِسَائِهِمْ، وَأَعْقَمَ أَرْحَامَ نِسَائِهِمْ وَأَيْبَسَ أَصْلَابَ رِجَالِهِمْ قَبْلَ الْعَذَابِ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً. وَقِيلَ: سَبْعِينَ سَنَةً، وَأَخْبَرَ اللَّهُ نُوحًا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَا يَلِدُونَ مُؤْمِنًا فَحِينَئِذٍ دَعَا عَلَيْهِمْ فَأَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ، وَأَهْلَكَهُمْ كُلَّهُمْ.
[٢٨] ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾ [نوح: ٢٨] وَاسْمُ أَبِيهِ لَمْكُ بْنُ مَتُّوشَلَخَ وَاسْمُ أُمِّهِ سَمْحَاءُ بِنْتُ أَنُوشَ وكانا مؤمنين، ﴿وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ﴾ [نوح: ٢٨] داري ﴿مُؤْمِنًا﴾ [نوح: ٢٨] وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالْكَلْبِيُّ: مَسْجِدِي. وَقِيلَ: سفينتي. ﴿وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [نوح: ٢٨] هَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ آمن بالله وملائكته وَصَدَّقَ الرُّسُلَ، ﴿وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا﴾ [نوح: ٢٨] هَلَاكًا وَدَمَارًا فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ فأهلكهم.
[سورة الجن]
[قوله تعالى قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ] فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا...
(٧٢) سورة الجن [١] ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الْجِنِّ: ١] وَكَانُوا تِسْعَةً مِنْ جِنِّ نَصِيبِينَ. وَقِيلَ: سَبْعَةٌ، اسْتَمَعُوا قِرَاءَةَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرْنَا خَبَرَهُمْ فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ. ﴿فَقَالُوا﴾ [الجن: ١] لَمَّا رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا﴾ [الجن: ١] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَلِيغًا أَيْ قُرْآنًا ذَا عَجَبٍ يُعْجَبُ مِنْهُ لبلاغته.
[٢] ﴿يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾ [الجن: ٢] يَدْعُو إِلَى الصَّوَابِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ، ﴿فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾ [الجن: ٢]
[٣] ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] جَلَالُ رَبِّنَا وَعَظَمَتِهِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ، يُقَالُ: جَدَّ الرَّجُلُ أَيْ عَظُمَ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَنَسٍ: إذا كَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ جَدَّ فِينَا، أَيْ عَظُمَ قَدْرُهُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: ﴿جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] أَيْ أَمْرُ رَبِّنَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: غِنَى رَبِّنَا. وَمِنْهُ قِيلَ لِلْجَدِّ: حَظٌّ، وَرَجُلٌ مَجْدُودٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قُدْرَةُ رَبِّنَا. قَالَ الضَّحَّاكُ: فِعْلُهُ. وَقَالَ الْقُرَظِيُّ: آلَاؤُهُ وَنَعْمَاؤُهُ عَلَى خَلْقِهِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: عَلَا مُلْكُ رَبِّنَا. ﴿مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا﴾ [الجن: ٣] قيل: تعالى جَلَالُهُ وَعَظَمَتُهُ عَنْ أَنْ يَتَّخِذَ صاحبة وولدا.
[٤] ﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا﴾ [الجن: ٤] هُوَ إِبْلِيسُ، ﴿عَلَى اللَّهِ شَطَطًا﴾ [الجن: ٤] كَذِبًا وَعُدْوَانًا وَهُوَ وَصْفُهُ بِالشَّرِيكِ والولد.
[٥] ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا﴾ [الجن: ٥] حَسَبْنَا ﴿أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ﴾ [الجن: ٥]


الصفحة التالية
Icon