وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الانسان وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَلَاثُونَ آيَة وكلماتها مِائَتَان وَأَرْبَعُونَ كلمة وحروفها ألف وَأَرْبع وَخَمْسُونَ
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان﴾ يَقُول أَتَى على آدم ﴿حِينٌ مِّنَ الدَّهْر﴾ أَرْبَعُونَ سنة مخلوقاً مصوراً ﴿لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً﴾ يذكر وَلَا يدرى مَا هُوَ وَمَا اسْمه وَمَا يُرَاد بِهِ إِلَّا الله
﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَان﴾ يَعْنِي ولد آدم ﴿مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾ من نُطْفَة آدم وحواء وَيُقَال أمشاج يَعْنِي الألوان مختلطاً مَاء الرجل أَبيض غليظ وَمَاء الْمَرْأَة أصفر رَقِيق فَالْوَلَد يكون مِنْهُمَا ﴿نَّبْتَلِيهِ﴾ نختبره بالشدة والرخاء وَيُقَال نختبره بِالْخَيرِ وَالشَّر ﴿فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً﴾ فَجعلنَا لَهُ السّمع لكَي يسمع بِهِ الْحق وَالْهدى وَالْبَصَر لكَي يبصر بِهِ الْحق وَالْهدى وَيُقَال نبتليه نختبره بِالْخَيرِ وَالشَّر وَالْكفْر وَالْإِيمَان مقدم ومؤخر
﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيل﴾ بَينا لَهُ طَرِيق الْإِيمَان وَالْكفْر وَالْخَيْر وَالشَّر ﴿إِمَّا شَاكِراً﴾ مُؤمنا ﴿وَإِمَّا كَفُوراً﴾ كَافِرًا وَيُقَال إِنَّا هديناه السَّبِيل إِمَّا شاكرا وَإِمَّا كفورا
﴿إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ﴾ أبي جهل وَأَصْحَابه ﴿سَلاَسِلَ وَأَغْلاَلاً﴾ فِي النَّار ﴿وَسَعِيراً﴾ نَارا وقوداً
﴿إِنَّ الْأَبْرَار﴾ المصدقين فِي إِيمَانهم المطيعين لله ﴿يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ﴾ يشربون فِي الْجنَّة من خمر ﴿كَانَ مِزَاجُهَا﴾ خلطها ﴿كَافُوراً﴾
﴿عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا﴾ مِنْهَا ﴿عِبَادُ الله﴾ أَوْلِيَاء الله ﴿يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً﴾ يمزجونها تمزيجاً وَيُقَال يفجرون عين الكافور حَيْثُمَا يشاءون فِي الْجنَّة إِلَى مَنَازِلهمْ وقصورهم
ثمَّ وصف نعتهم إِذا كَانُوا فِي الدُّنْيَا فَقَالَ الله ﴿يُوفُونَ بِالنذرِ﴾ بالعهد وَالْحلف بِاللَّه وَيُقَال يتمون الْفَرَائِض ﴿وَيَخَافُونَ يَوْماً﴾ عَذَاب يَوْم ﴿كَانَ شَرُّهُ﴾ عَذَابه ﴿مُسْتَطِيراً﴾ فاشياً
﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَام على حُبِّهِ﴾ على قلته وشهوته ﴿مِسْكِيناً وَيَتِيماً﴾ من الْمُسلمين ﴿وَأَسِيراً﴾ من الْمُسلمين فِي أَيدي الْمُشْركين وَيُقَال أهل السجْن
﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله﴾ فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم وَلم يتكلموا بِهِ وَلَكِن أخبر الله عَن صدق قُلُوبهم فَقَالَ إِنَّمَا نطعمكم لوجه الله لثواب الله وكرامته ﴿لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً﴾ مُكَافَأَة تجازوننا بِهِ ﴿وَلاَ شُكُوراً﴾ محمدة تحمدوننا بِهِ
﴿إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا﴾ من عَذَاب رَبنَا ﴿يَوْماً عَبُوساً﴾ كلوحاً ﴿قَمْطَرِيراً﴾ شَدِيدا يَقُول شَدِيد عَذَاب ذَلِك الْيَوْم وهوله وَيُقَال هُوَ تعبس الْوَجْه
﴿فَوَقَاهُمُ الله﴾ دفع عَنْهُم ﴿شَرَّ ذَلِك الْيَوْم﴾ عَذَاب ذَلِك الْيَوْم ﴿وَلَقَّاهُمْ﴾ أَعْطَاهُم ﴿نَضْرَةً﴾ حسن الْوُجُوه والبهاء ﴿وَسُرُوراً﴾ فَرحا فِي الْقلب
﴿وَجَزَاهُمْ﴾ أَعْطَاهُم ﴿بِمَا صَبَرُواْ﴾ فِي الدُّنْيَا على الْفقر والمرازي ﴿جَنَّةً وَحَرِيراً﴾
﴿مُّتَّكِئِينَ فِيهَا﴾ جالسين ناعمين فِي الْجنَّة ﴿على الأرائك﴾ على السرر فِي الحجال فَلَا تكون أريكة إِلَّا إِذا اجْتمعَا فَإِذا تفَرقا فَلَيْسَ بأريكة ﴿لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً﴾ يَقُول لَا يصيبهم حر الشَّمْس وَلَا برد الزَّمْهَرِير
﴿وَدَانِيَةً﴾ قريبَة ﴿عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا﴾ ظلال الشّجر ﴿وَذُلِّلَتْ﴾ سخرت وَقربت ﴿قُطُوفُهَا﴾ ثَمَرهَا ﴿تَذْلِيلاً﴾ تسخيراً
﴿وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ﴾ فِي الْخدمَة ﴿بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ﴾ كيزان بِلَا آذان وَلَا عرا ﴿كَانَتْ قواريرا﴾
﴿قَوَارِير مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا﴾ على أكف الغلمان ﴿تَقْدِيراً﴾ وَيُقَال قدرُوا الشَّرَاب فِيهَا تَقْديرا لَا يفضل وَلَا يعجز
﴿وَيُسْقَوْنَ فِيهَا﴾ فِي الْجنَّة ﴿كَأْساً﴾ خمرًا ﴿كَانَ مِزَاجُهَا﴾ خلطها ﴿زَنجَبِيلاً﴾
﴿عَيْناً فِيهَا﴾ فِي الْجنَّة ﴿تسمى﴾ تِلْكَ الْعين ﴿سَلْسَبِيلاً﴾ وَيُقَال سل الله إِلَيْهَا سَبِيلا