سورة الحج

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


﴿يأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ﴾ خافوه، واحذروا غضبه وبأسه، واخشوا يوماً ترجعون فيه إليه ﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ الزلزلة: الإزعاج، والإفزاع. أي اتقوا ربكم لأن زلزلة الساعة شيء مهول
﴿تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ﴾ أي تغفل عنه؛ مع أن الطبيعة البشرية: تقتضي تمام الحرص من جانب الأم على وليدها، وتقتضي كامل الشفقة به، والحدب عليه؛ فيذهب جميع ذلك لشدة ما تلقاه في هذا اليوم من الهول، وما تجده من الرعب ﴿وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا﴾ أي تطرح كل حبلى ما في بطنها؛ لشدة ما ترى من الفزع ﴿وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى﴾ أي كالسكارى؛ في عدم الوعي، وفي الخلط، وفي التعثر، وفي الذهول ﴿وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ حقيقة؛ ولكنه هول القيامة
﴿وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ﴾ عات متمرد؛ مستمر في الشر؛ مستمرىء له
﴿كُتِبَ عَلَيْهِ﴾ أي قضى على هذا الشيطان ﴿أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ﴾ أي اتبعه، واتخذه إماماً له ومعيناً ﴿فَأَنَّهُ﴾ أي الشيطان ﴿يُضِلُّهُ﴾ عن طريق الحق، ويرديه في الباطل ﴿وَيَهْدِيهِ﴾ يوجهه ﴿إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ إلى ما يوصله إلى جهنم وبئس المصير وهذا كقوله تعالى: ﴿فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ﴾
﴿يأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ﴾ شك ﴿مِّنَ الْبَعْثِ﴾ يوم القيامة ﴿فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ﴾ أي خلقنا أصلكم آدم ﴿مِّن تُرَابٍ﴾ أي إن كنتم شاكين في البعث، وكيف أننا نعيدكم بعد فنائكم؛ فانظروا في بدء خلقكم: إذ خلقناكم من تراب، ولم تكونوا شيئاً؛ فكيف لا نستطيع إعادتكم كما أنتم الآن؟ ﴿ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ﴾ مني ﴿ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ﴾
ذهب المفسرون إلى أن المراد بها: قطعة دم جامدة والذي أراه أن المراد بالعلقة: واحد الحيوانات المنوية، التي يتخلق منها الجنين بأمر الله تعالى؛ وتجمع على «علق» قال تعالى: ﴿خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾ ﴿ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ﴾ قطعة لحم صغيرة؛ قدر ما يمضغ في الفم ﴿مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ أي تامة الخلقة، وغير تامتها ﴿وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ﴾ أي نثبت في الأرحام ما نشاء ثبوته؛ وما لم نشأ إبقاءه: أسقطته الأرحام. فليس كل من حملت أنتجت
-[٤٠١]- ﴿إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ هو وقت استيفاء الجنين مدته في الرحم ﴿ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ﴾ كمال قوتكم؛ وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين (انظر آية ٢١ من سورة الذاريات) ﴿وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾ أردئه؛ وهو الكبر المؤدي إلى الهرم والخرف ﴿لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً﴾ أي لينسى ما عرفه، ويجهل ما علمه؛ لذهاب عقله، ومزيد كبره ﴿وَمَن نّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ﴾ قال عكرمة: من قرأ القرآن: لم يصر إلى هذه الحالة نفعنا الله تعالى بكتابه، وكتبنا من أحبابه، وشفعه فينا، وجعله حجة لنا لا علينا ﴿وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً﴾ ساكنة يابسة ﴿فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ﴾ بالمطر، أو بالسقيا من ماء المطر نفسه - المنساب في الأنهار والآبار - وذلك بعد وضع البذر ﴿اهْتَزَّتْ﴾ تحركت لطلوع النبات ﴿وَرَبَتْ﴾ انتفخت وارتفعت ﴿وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ من كل صنف حسن، سار للناظرين


الصفحة التالية
Icon