وكن وسطاً في حبك، وسطاً في ميلك هداك الله تعالى إلى صراطه المستقيم
ومن قبل زعم المفسرون أن سليمان - وهو من خيرة الأنبياء - قتل بضعة آلاف من الخيل لأنها عطلته عن صلاة العصر؛ عند قوله تعالى: ﴿فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ﴾ وهي فرية على سليمان عليه السلام افتراها اليهود الأفاكون الملاعين
وهذا لا يمنع من وقوع بعض الهنات، من الأبناء والزوجات؛ وهو الذي أشار إليه المولى جل وعلا بقوله: ﴿وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
وقد أشار المولى الكريم إلى المعنى الذي أشرنا إليه آنفاً وعضدناه بشتى الحجج والآيات بقوله عز وجل:
﴿إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ أي بلاء ومحنة؛ يوقعونكم في الإثم من حيث لا تشعرون
﴿فَاتَّقُواْ اللَّهَ﴾ خافوه، واعملوا بأوامره ﴿وَاسْمَعُواْ﴾ نصح القرآن ﴿وَأَطِيعُواْ﴾ داعي الرحمن ﴿وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ﴾ وأي خير ينال الإنسان: أسمى من الإحسان؟ وأي خير يحتسبه المؤمن عند ربه: أفضل من الإنفاق؟ فأنفق أيها المؤمن - جهد طاقتك، ووسع مالك - فذلك خير لك في دنياك، وسعادة دائمة لك في أخراك ﴿وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ﴾ الشح: اللؤم، وأن تكون النفس كزة حريصة على المنع. أما البخل: فهو المنع نفسه. والمراد هنا: بخل النفس بالزكاة والصدقة، بدليل قوله تعالى:
﴿إِن تُقْرِضُواْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ عبر تعالى عن المتصدق بالمقرض؛ وذلك إثباتاً لحقه في الوفاء له بالأجر. وجعل تعالى نفسه مقترضاً: ليطمئن المقرض إلى رد ما بذله إليه. لأنه كلما كان الملتزم مليئاً: كان الوفاء محققاً؛ فما بالك والمقترض ملك الملوك، وأغنى الأغنياء؛ وقد وعد بالوفاء وفوق الوفاء؛ فقال تعالى: ﴿يُضَاعِفْهُ لَكُمْ﴾ وينميه ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ ذنوبكم؛ زيادة على مضاعفة أجوركم ومن ذلك نعلم أن الصدقة: ترضي الرب، وتمحو الذنب ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ ﴿وَاللَّهُ شَكُورٌ﴾ كثير المجازاة على الطاعات ﴿حَلِيمٌ﴾ يعفو عن السيئات
﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ ما خفي، وما ظهر؛ وهو ﴿الْعَزِيزُ﴾ في ملكه: يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء ﴿الْحَكِيمُ﴾ في صنعه
سورة الطلاق

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ أي مستقبلات لها. والمراد ألا تطلق المرأة إلا في طهر لم تجامع فيه، ثم تخلى
-[٦٩٤]- حتى تنقضي عدتها ﴿وَأَحْصُواْ الْعِدَّةَ﴾ اضبطوها؛ فلا تزيدوا عليها، ولا تنقصوا منها ﴿لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ﴾ حتى تنقضي عدتهن ﴿وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾ هي الزنا: تخرج من بيتها لحتفها تخرج لترجم؛ إذ ما فائدة إحصاء العدة مع زناها؟ فربما علقت من الزاني بها ﴿بِفَاحِشَةٍ﴾ الأوامر هي ﴿حُدُودُ اللَّهِ﴾ التي لا يجوز تجاوزها ﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ بتعريضها للعقاب ﴿فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ أيها المطلق ﴿لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ﴾ الطلاق ﴿أَمْراً﴾ أي لعل الله - وهو مقلب القلوب - يقلب قلبك من بغضها إلى محبتها، ومن طلاقها إلى رجعتها؛ فتراجعها وهي في بيتك، وتحت كنفك


الصفحة التالية
Icon