تفسير قوله تعالى: (قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر)
﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٤٧].
((قَالَتْ رَبِّ)) تخاطب الله سبحانه وتعالى.
((أَنَّى))، أي: كيف؟! ((يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ)) أي: بتزوج ولا غيره.
والمسيس: هو الجماع.
((قَالَ كَذَلِكِ)) أي: قال جبريل: الأمر كذلك، من خلق ولد منك بلا أب، هذا أمر الله سبحانه وتعالى.
((يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ)) أي: قد يخلقه بسبب وقد يخلقه بدون سبب، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لو أن الماء الذي يكون منه الولد أرقته على صخرة لكان منه الولد، وليخلقن الله نفساً هو خالقها)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
((كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يشاء)) أي: لا يحتاج إلى سبب ولا يعجزه شيء.
وصرح هاهنا بالخلق بقوله: ((يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ)) أما في قصة زكريا قال: ﴿يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [آل عمران: ٤٠]؛ لأن الخلق المنبئ عن الإحداث للمكون أنسب بهذا المقام؛ لئلا يبقى لمبطل شبهة.
((إِذَا قَضَى أَمْرًا))، أي: إذا أراد خلقه.
((فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ))، أي: فهو يكون من غير تأخر ومن غير حاجة إلى سبب، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾ [القمر: ٥٠] أي: إنما نأمر مرة واحدة لا تثنية فيها، فيكون ذلك الشيء سريعاً كلمح البصر.


الصفحة التالية
Icon