الفصل الثالث: إشارات الإعجاز في فواتح السور
إن المتمعن في التفاسير وفي أقوال أهل اللغة يصير في حيرة من مضمون الحروف ومعناها وما جاء فيها من دلالات وإشارات في تأويلها، سواء كانت على أصلها أو حملت ما هو أكثر من معانيها الثابتة، وأقول إن حقيقة البيان لا تعرف إلا بإتباع الطريق الصحيح في التأويل لأي آية في كتاب الله، وهو أن نأخذ بما جاء في تأويلها مما ورد في كتاب الله وسنة نبيه - ﷺ - وكلام الصحابة رضوان الله عليهم وكلام التابعين وما جاء في كلام العرب، مراعين لواقع المخاطبين من خلال ما ذكره القرآن وذكرته الأحاديث وآثار الصحابة الكرام وما تحصل لدينا من علم بالتاريخ والآثار، لفهم واقع التنزيل وحال المتلقين كما هو، وهذا هو الحق في التأويل، أما ما كان فيه اختلاف واضطراب من أقوال التابعين ومروياتهم عن الصحابة فالمرجع فيه إلى الميزان الحق، بكفّتيه صحيح النقل وصحيح لغة العرب لنضمن البيان الصحيح، بعكس من شذ عن الطريق في تأويلها، مع الأخذ بأسباب الخلاف المذكورة سابقاً لفهم القرآن. وبما أننا قررنا بأنها من آيات المحكم لما فيها من مخالفة للمعروف من كلام العرب، ولانتفاء التشابه بينها وبين غيرها من الكلمات، ولانتفاء وجود الإشكال في فهم ظاهرها بحسب ما بينها رسول الله - ﷺ - بقوله (لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف) أي أنها حروف، وتدل على مسميات الحروف أو حروف الكتابة، وكان تفصيلها من الرسول - ﷺ - "تنبيهاً على أن المعتبر في عدد الحسنات: الحروف المقروءة التي هي المسميات سواء كانت أجزاء لها أو لكلمات أخر" (١)، ولا يكون الهجاء إلا لبيان الحروف أو لتعليم الكتابة، "ولذلك حين تريد أن تختبر واحداً في القراءة والكتابة تقول له: تهج حروف الكلمة التي تكتبها، فإن نطق أسماء الحروف؛