سوى البيت لم يكتب عليه حتى يعملها، ومن هم بخطيئة في البيت لم يمته الله من الدنيا حتى يذيقه من عذاب أليم.
وعن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في عبد الله بن أنَيْس أن رسول الله ﷺ بعثه مع رجلين أحدهما مهاجر والآخر من الأنصار، فافتخروا في الأنساب، فغضب ابن أنيس فقتل الأنصاري ثم ارتد عن الإسلام وهرب إلى مكة، فنزلت فيه (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم)؛ يعني من لجأ إلى الحرام بإلحاد بميل عن الإسلام.
والحاصل أن هذه الآية دلت على أن من كان في البيت الحرام مأخوذ بمجرد الإرادة للظلم فهي مخصصة لما ورد من أن الله غفر لهذه الأمة ما حدثت به أنفسها إلا أن يقال إن الإرادة فيها زيادة على مجرد حديث النفس، وبالجملة فالبحث عن هذا تقرير الحق فيه على وجه يجمع بين الأدلة ويرفع الإشكال يطول جداً، ومثل هذه الآية حديث " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار "، قيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: " إنه كان حريصاً على قتل صاحبه " (١)، فدخل النار هنا بمجرد حرصه على قتل صاحبه، وقد أفرد الشوكاني هذا البحث برسالة مستقلة.
_________
(١) مسلم ٢٨٨٨ - البخاري ٢٩.
(و) اذكر (إذ بوأنا لإبراهيم) يقال بوأته منزلاً وبوأت له، كما يقال مكنتك ومكنت لك، قال الزجاج: معناه جعلنا (مكان البيت) مبوأ لإبراهيم، وقيل معنى بوأنا بينا له، وقيل وطأنا، وقد رفع البيت إلى السماء أيام الطوفان، فأعلم الله إبراهيم مكانه بريح أرسلها فكنست مكان البيت فبناه على أسه القديم وجعل طوله في السماء سبعة أذرع بذراعهم، وذرعه في الأرض ثلاثين ذراعاً بذراعهم؛ وأدخل الحجر في البيت ولم يجعل له سقفاً، وجعل له باباً وحفر له بئراً يلقى فيها ما يهدى للبيت وبناه قبله شيث وقبل شيث آدم وقبل آدم الملائكة وقد تقدم الكلام عليه في سورة البقرة.