فصارت هذه الأمور معهم ليسمعوا المواعظ وينظروا العبر ويتفكروا بالأفئدة فلم ينتفعوا بشيء من ذلك لإصرارهم على الكفر وبعدهم عن الحق ولم يشكروه على ذلك ولهذا قال:
(قليلاً ما تشكرون) أي شكراً قليلاً حقيراً غير معتدّ به باعتبار تلك النعم الجليلة، وقيل المعنى أنهم لا يشكرونه ألبتّة لا أن لهم شكراً قليلاً، كما يقال لجاحد النعمة ما أقل شكره أي لا يشكر، ومثل هذه الآية قوله: (فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم) وفيه تنبيه على أن من لم يعمل هذه الأعضاء فيما خلقت له فهو بمنزلة عادمها.
(وهو الذي ذرأكم في الأرض) أي بثّكم فيها بالنسل كما تبث الحبوب، وقد تقدم تحقيقه (وإليه تحشرون) أي تجمعون يوم القيامة بعد تفرقكم
(وهو الذي يحيي) النسم بالإنشاء ونفخ الروح في المضغة (ويميت) النسم بالإفناء على جهة الانفراد والاستقلال، وفي هذا تذكير بنعمة الحياة وبيان الانتقال منها إلى الدار الآخرة.
(وله اختلاف الليل والنهار) خلقاً وإيجاداً، قال الفراء: هو الذي جعلهما مختلفين يتعاقبان، ويختلفان في السواد والبياض، وقيل اختلافهما نقصان أحدهما وزيادة الآخر، وقيل تكرارهما يوماً بعد يوم وليلة بعد ليلة.
(أفلا تعقلون) كنه قدرته وتتفكرون في ذلك، ثم بين سبحانه أنه لا شبهة لهم في إنكار البعث إلا التشبث بحبل التقليد المبني على مجرد الاستبعاد فقال:
(بل قالوا مثل ما قال الأولون) أي آباؤهم والموافقون لهم في دينهم من قوم نوح، وهود وصالح وغيرهم، ثم بين ما قاله الأولون فقال:


الصفحة التالية
Icon