للفعل لا ظرف له يعني أن هؤلاء الرجال -وإن بالغوا في ذكر الله تعالى والطاعات- فإنهم مع ذلك وجلون خائفون لعلمهم بأنهم ما عبدوا الله حق عبادته، ثم وصف هذا اليوم بقوله:
(تتقلب فيه القلوب) أي تضطرب وتتحول من الهول والفزع. وقيل المراد انتزاعها من أماكنها إلى الحناجر فلا ترجع إلى أماكنها ولا تخرج (و) تشخص (الأبصار) من هول ذلك اليوم، وقيل المراد بتقلبها هو أن تصير عمياً بعد أن كانت مبصرة، وقيل المراد بتقلب القلوب أنها تكون متقلبة بين الطمع في النجاة والخوف من الهلاك؛ وأما تقلب الأبصار فهو نظرها من أي ناحية يؤخذون وإلى أي ناحية يصيرون، وقيل المراد تحول قلوبهم وأبصارهم عما كانت عليه من الشك إلى اليقين ومثله قوله: (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) فما كان يراه في الدنيا غياً يراه في الآخرة رشداً؛ وقيل المراد التقلب على جمر جهنم وقيل غير ذلك.
(ليجزيهم الله أحسن ما عملوا) اللام لام العاقبة والصيرورة لا لام العلة الباعثة أي يفعلون ما يفعلون من التسبيح، والذكر وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة ليجزيهم الله أحسن جزاء أعمالهم حسبما وعدهم، من تضعيف ذلك إلى عشرة أمثاله وإلى سبعمائة ضعف، وقيل: المراد بما في هذه الآية ما يتفضل به سبحانه عليهم، زيادة على ما يستحقونه، والأول أولى لقوله:
(ويزيدهم من فضله) فإن المراد به التفضل عليهم بما فوق الجزاء الموعود به، أي يتفضل بأشياء لم توعد لهم بخصوصياتها أو بمقاديرها، ولم يخطر ببالهم كيفياتها، ولا كمياتها، بل إنما وعدت بطريق الإجمال في مثل قوله تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)، وقوله عليه السلام حكاية عنه عز وجل: " أعددت لعبادي الصالحين، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر " (١) غير ذلك من المواعيد الكريمة التي من جملتها قوله تعالى:
_________
(١) مسلم ٢٨٢٤ - البخاري ١٥٣٤.


الصفحة التالية
Icon