محمد - ﷺ - من فاران، وهو اسم مكة، ثم نزه سبحانه نفسه من السوء فقال:
(وسبحان الله رب العالمين) فيه تعجيب لموسى من ذلك هو من جملة ما نودي به، وإنما وقع التعرض للتنزيه في هذا المقام لدفع ما رب أن يتوهمه موسى بحسب الطبع البشري، الجاري على العادة الخلقية أن الكلام الذي يسمعه في ذلك المكان بحرف وصوت حادث، ككلام الخلق، أو المتكلم به في مكان أو جهة قاله الحفناوي.
(يا موسى إنه) أي الشأن (أنا الله العزيز) الغالب القاهر (الحكيم) في أمري وفعلي، وقيل: إن موسى قال: يا رب من الذي ناداني؟ فأجابه سبحانه بقوله: إنه أنا الله، وهو تمهيد لما أراد أن يظهر على يده من المعجزات فأمره سبحانه بأن يلقي عصاه ليعرف ما أجراه على يده من المعجزات الخارقة، فيأنس بها فقال:
(وألق) عطف على بورك منتظم معه في سلك تفسير النداء أي نودي أن بورك وأن ألق (عصاك فلما رآها تهتز) جملة حالية من هاء (رآها) لأن الرؤية بصرية وقوله (كأنها جان) يجوز أن تكون حالاً ثانية وأن تكون حالاً من ضمير (تهتز) فتكون حالاً متداخلة، قاله السمين.
قال الزجاج: صارت العصا تتحرك كما يتحرك الجان وهو الحية البيضاء، وإنما شبهها بالجان في خفة حركتها وإلا فجثتها كانت كبيرة جداً: وشبهها في موضع آخر بالثعبان لعظمها، وجمع الجان جنان، وهي الحية الخفيفة الصغيرة الجسم، وقال الكلبي: لا صغيرة ولا كبيرة. والفاء فصيحة تفصح عن جملة قد حذفت ثقة بظهورها، ودلالة على سرعة وقوع مضمونها كأنه قيل: فألقاها فانقلبت حية تسعى، فأبصرها.
فلما أبصرها متحركة بسرعة واضطراب (ولى مدبراً) من الخوف (ولم يعقب) أي لم يرجع على عقبه من عقب المقاتل إذا كر بعد الفر، يقال: عقب فلان إذا رجع وكل راجع معقب، وقيل: لم يقف ولم يلتفت ولم


الصفحة التالية
Icon