الوطأة، وتتقرر لهم في قلوبهم المهابة. والمقصود من قولها هذا تحذير قومها من مسير سليمان إليهم، ودخوله بلادهم.
(وكذلك) أي مثل ذلك الفعل (يفعلون) أرادت أن هذه عادتهم المستمرة التي لا تتغير، لأنها كانت في بيت الملك القديم؛ فسمعت نحو ذلك ورأت. قال ابن الأنباري: الوقف على قوله أذلة، وقف تام، فقال الله عز وجل تحقيقاً وتصديقاً لقولها: وكذلك يفعلون. وقيل: هذه الجملة من تمام كلامها، فيكون من جملة مقول قولها أكدت به ما قبله، وعلى الأول مستأنفة لا محل لها من الإعراب.
قال النسفي: واحتج الساعي في الأرض بالفساد بهذه الآية ومن استباح حراماً فقد كفر وإذا احتج له بالقرآن على وجه التحريف فقد جمع بين كفرين انتهى. ثم لما قدمت لهم هذه المقدمة وبينت لهم ما في دخول الملوك إلى أرضهم من المفسدة أوضحت لهم وجه الرأي عندها وصرحت لهم بصوابه فقالت:
(وإني مرسلة إليهم) أي إني أجرب هذا الرجل بإرسال رسلي إليه (بهدية) مشتملة على نفائس الأموال فإن كان ملكاً أرضيناه بذلك وكفينا أمره وإن كان نبياً لم يرضه ذلك لأن غاية مطلبه ومنتهى أربه هو الدعاء إلى الدين فلا ينجينا منه إلا إجابته ومتابعته والتدين بدينه وسلوك طريقته ولهذا قالت:
(فناظرة بم يرجع المرسلون) بالهدية من قبول أو رد، فعاملة بما يقتضيه ذلك، وذلك أن بلقيس كانت امرأة لبيبة عاقلة، قد ساست الأمور وجربتها وقد طول المفسرون في ذكر هذه الهدية.
قال ابن عباس: أرسلت بِلَبِنَةٍ من ذهب فلما قدموا إذا حيطان المدينة من ذهب، فذلك قوله (أتمدونن بمال) الآية. وقال ثابت البناني: أهدت له صفائح الذهب في أوعية الديباج. وقال مجاهد: أهدت جواري لباسهن لباس الغلمان، وغلماناً لباسهم لباس الجواري، وقال عكرمة: أهدت مائتي فرس على كل فرس غلام وجارية، وعلى كل فرس لون ليس على الآخر. وقال سعيد ابن جبير: كانت الهدية جواهر، وقيل: غير ذلك مما لا فائدة في التطويل بذكره.