حققناه في حجج الكرامة في آثار القيامة، وليس هذا موضع ذكرها وبسطها، وإليه ذهب جميع أهل السنة والمحدثين والفقهاء خلافاً لمن أنكره، وأبطل أمره من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة، وخلافاً للجبائي وموافقيه في أنه صحيح الوجود: ولكن الأشياء التي يأتي بها زعموا أنها مخاريف وخيالات لا حقائق لها والأخبار الصحيحة المتواترة تدفعه وترده رداً مشبعاً.
ثم لما ذكر سبحانه الجدال بالباطل ذكر مثالاً للباطل والحق، وأنهما لا يستويان فقال:
(وما يستوي الأعمى والبصير) أي الذي يجادل بالباطل الذي يجادل بالحق، أو الغافل والمستبصر (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) أي ولا يستوي المحسن بالإيمان والعمل الصالح.
(ولا المسيء) بالكفر والمعاصي، وزيادة (لا) للتأكيد، والتقابل يجيء على ثلاث طرق إحداها أن يجاور المناسب ما يناسبه كهذه الآية، والثانية أن يتأخر المتقابلان كقوله تعالى (مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع)، والثالثة أن يقدم مقابل الأول ويؤخر مقابل الآخر، كقوله تعالى (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ) وكل ذلك تفنن في البلاغة، وقدم الأعمى في نفي التساوي لمجيئه بعد صفة الذم في قوله (ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
(قليلاً ما يتذكرون) بالتحتية على الغيبة لأن قبلها وبعدها على الغيبة لا على الخطاب، واختارها أبو عبيد وأبو حاتم، وبالفوقية على الخطاب بطريقة الالتفاف وفائدته في مقام التوبيخ هي إظهار العنف الشديد، والإنكار البليغ أفاده الكرخي.