تمهيد أوّل تعريف بهذا الكتاب وأهمّ ابحاثه
هذه تأملات علمية وأدبية سريعة في كتاب الله تعالى، أردت أن أوضح من ورائها بعض ما ينطوي عليه هذا الكتاب من روعة البيان وإعجازه، ومدى تأثيره في مختلف العلوم التي تزخر بها المكتبة العربية اليوم، مما لا بدّ للأديب ودارس العربية من الوقوف عليه.
وهي كما قلت، لا تزيد على أن تكون تأملات.. فلم أقصد منها استقصاء لبحث، ولا تحقيقا جامعا لفن، ولو قصدت إلى ذلك لضاقت بي السّبل واستعصى عليّ البحث، ولاحتاج الأمر إلى مجلدات واسعة عظيمة، وأنى لمثلي أن يأتي بتحقيق جامع لفنون هذا الكتاب المبين، أو أن يستقصي البحث في آدابه وبلاغته وعلومه؟! وإنما الذي قصدت إليه، هو أن أنال رشفة من بحر هذا البيان الإلهي، وقبضة من كنز علومه، أمتّع بهما الخاطر والنفس، وأسعد بهما الفكر والخيال.
وحسبي، وحسب القارئ، أن نقف من وراء ذلك وقفة المتأمل الخاشع عند شاطئ هذا اليم. نمتّع البصر فيما يعجز عن إدراك كنهه العقل، ونرهف السمع لهذا الذي سجد لبيانه البيان.
وكم من جمال تذوب تأثرا به النفس، ولا يحدّه الفكر والعقل. وكم من حقيقة جاثمة وراء حدود دلالة النطق والكلام، فلا يعبّر عنها إلا الحيرة الخاشعة ولا يتبيّنها سوى صادق الإحساس.