المقدمة
كانت السليقة العربية الصافية تساعد أصحابها على إدراك ما في القرآن الكريم من جمال فني، وتصوير جميل، وتعبير معجز.
واستمرت هذه السليقة ردحا من الزمن، إلى أن بدأت تفقد صفاءها، وقدرتها على تذوّق التعبير القرآني، وذلك نتيجة اتساع الفتوحات الإسلامية، ودخول الأجناس المختلفة في نسيج المجتمع الإسلامي، فبدأت حركة تفسير القرآن، وحركة الكشف عن مواضع الإعجاز فيه أيضا.
وتنوّعت الدراسات القرآنية آنذاك، وسارت في مسارات عدة، أهمها تلك الدراسات التي ركزت على البلاغة والأساليب وطرائق التعبير، وتأتي في مقدمتها كتب الجاحظ والجرجاني والزمخشري، والخطابي والرماني والباقلاني وغيرهم.
فقد رأت هذه الدراسات القيّمة أن «البيان» هو سرّ الإعجاز، وبه كان التحدي للعرب قديما فعجزوا عن الإتيان بسورة من مثله، وما زال هذا التحدي إلى يوم الدين.
وتعدّ «الصورة الفنية» قاعدة الأسلوب القرآني الأساسية، وأداته المفضّلة في التعبير عن المعاني المجردة، والحالات النفسية، والمواقف الإنسانية.
وقد تحدّث العلماء في القديم عنها في كتبهم، ولكنها لم تحظ عندهم بدراسة متخصصة مستقلة، كما أن آراءهم حولها، لم تخرج عن الفهم الجزئي المحدود لها، إلى «الفهم الكلي» المدرك لخصائصها الفنية في النص كله.


الصفحة التالية
Icon