سورة النحل مكية وآياتها مائة وثمان وعشرون (سورة النحل مكية إلا وإن عاقبتم إلى آخرها وهي مائة وثمان وعشرون آية)
بِسْمِ اللهِ الرحمن الرحيم
(أتى أَمْرُ الله) أي الساعة أو ما يعمُّها وغيرَها من العذاب الموعود للكفرة عبّر عن ذلك بأمر الله للتفخيم والتهويل وللإيذان بأن تحققَه في نفسه وإيتانه منوطٌ بحكمه النافذِ وقضائِه الغالب وإتيانُه عبارةٌ عن دنوّه واقترابِه على طريقة نظمِ المتوقَّعِ في سلك الواقع أو عن إتيان مباديه القريبةِ على نهج إسنادِ حال الأسبابِ إلى المسببات وأياما كان ففيه تنبيهٌ على كمال قربِه من الوقوع واتصالِه وتكميلٌ لحسن موقع التفريع في قولِه عزَّ وجلَّ (فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ) فإن النهيَ عن استعجال الشيءِ وإن صح تفريعُه على قرب وقوعِه أو على وقوع أسبابه القريبة لكنه ليس بمثابة تفريعِه على وقوعه إذ بالوقوع يستحيل الاستعجالُ رأساً لا بما ذكر من قرب وقوعِه ووقوعِ مباديه والخطابُ للكفرة خاصة كما يدل عليه القراءةُ على صيغة نهي الغائبِ واستعجالُهم وإن كان بطريق الاستهزاءِ لكنه حُمل على الحقيقة ونُهوا عنه بضرب من التهكم لا مع المؤمنين سواءٌ أريد بأمر الله ما ذُكر أو العذاب الموعود للكفرة خاصة أما الأول فلأنه لا يتصور من المؤمنين استعجالُ الساعة أو ما يعمُّها وغيرَها من العذاب حتى يعمهم النهيُ عنه وأما الثاني فلأن استعجالَهم له بطريق الحقيقةِ واستعجالَ الكفرة بطريق الاستهزاءِ كما عرَفْته فلا ينتظمها صيغةٌ واحدة والالتجاءُ إلى إرادة معنىً مجازيَ يعمهما معاً من غير أن يكون هناك رعايةُ نكتة سرّية تعسفٌ لا يليق بشأن التنزيلِ الجليلِ وما روي من أنه لما نزلت اقتربت الساعة قال الكفار فيما بينهم إن هذا يزعُم أن القيامة قد قرُبت فأمسِكوا عن بعض ما تعملون حتى ننظر ما هو كائنٌ فلما تأخّرت قالوا ما نرى شيئاً فنزلت اقترب لِلنَّاسِ حسابهم فأشفقوا وانتظروا اقربها فلما امتدت الأيامُ قالوا يا محمد ما نرى شيئاً مما تخوفنا به فنزلت أتى أَمْرُ الله فوثب رسول الله ﷺ فرفع الناس رءوسهم فلما نزل فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ اطمأنوا فليس فيه دَلالةٌ على عموم الخطاب كما قيل لا لما تُوهم من أن التصديرَ بالفاء يأباه فإنه بمعزل عن إبائه حسبما تحققْتَه بل لأن مناطَ اطمئنانِهم إنما وقوفُهم على أن المرادَ بالإتيان هو الإتيانُ الادّعائي لا الحقيقيُّ الموجبُ لاستحالة الاستعجال المستلزم لامتناع النهي عنه لِما إن النهيَ عن الشيء يقتضي إمكانَه في الجملة ومدار ذلك الوقوف إنما هو النهيُ عن الاستعجال المستلزمِ لإمكانه المقتضي لعدم وقوعِ المستعجَل بعدُ ولا يختلف ذلك باختلاف المستعجِل كائناً مَنْ كان بل فيه دَلالةٌ واضحة على عدم