سورة الإسراء مكية إلا الآيات ٢٦ ٣٢ ٣٣ ٥٧ ومن آية ٧٣ إلى آية ٨٠ فمدنية وآياتها ١١١)
بِسْمِ اللهِ الرحمن الرحيم
﴿سُبْحَانَ الذى أسرى بِعَبْدِهِ﴾ سبحان عَلَمٌ للتسبيح كعُثمانَ للرجل وحيث كان المسمّى معنى لاعينا وجنساً لا شخصاً لم تكن إضافتُه من قبيل ما في زيدُ المعارك أو حاتم طئ وانتصابه بفعل متروكِ الإظهار تقديرُه أسبح الله سبحان الخ وفيه ما لا يَخفْى من الدلالة على التنزيه البليغِ من حيث الاشتقاقُ من السبْح الذي هو الذهابُ والإبعادُ في الأرض ومنه فرسٌ سَبُوحٌ أي واسعُ الجري ومن جهة النَّقلِ إلى التَّفعيلِ ومن جهة العدولِ من المصدر إلى الاسمِ الموضوعِ له خاصة لا سيما وهو علمٌ يشير إلى الحقيقةِ الحاضرةِ في الذهن ومن جهة قيامِه مَقام المصدرِ مع الفعلِ وقيل هو مصدرٌ كغُفرانٍ بمعنى التنزه ففيه مبالغةٌ من حيث إضافةُ التنزه إلى ذاته المقدسةِ ومناسبةٌ تامة بين المحذوف وبين ما عُطف عليه في قوله تعالى سبحانه وتعالى كأنه قيل تنزه بذاته وتعالى والإسراءُ السيرُ بالليل خاصة كالسُّرى وقوله تعالى ﴿لَيْلاً﴾ لإفادة قلةِ زمان الإسراءِ لِما فيه من التنكير الدالِّ على البعضية من حيث الأجزاءُ دَلالتَه على البعضية من حيث الأفراد فإن قولك سِرت ليلاً كما يفيد بعضيةَ زمان سيرِك من الليالي يفيد بعضيتَه من فرد واحد منها بخلاف ما إذا قلت سرتُ الليلَ فإنه يفيد استيعابَ السير له جميعاً فيكون معياراً للسير لا ظرفاً له ويؤيده قراءةُ من الليل أي بعضِه وإيثارُ لفظ العبدِ للإيذان بتمحضه عليه الصلاة والسلام في عبادته سبحانه وبلوغِه في ذلك غايةُ الغاياتِ القاصيةِ ونهايةُ النهايات النائية حسبما يلوّح به مبدأُ الإسراء ومنتهاه وإضافةُ التنزيه أو التنزّه إلى الموصول المذكورِ للإشعار بعلية مَا في حيزِ الصلةِ للمضاف فإن ذلك من أدلة كمال قدرته وبالغ حكمته ونهايةِ تنزهه عن صفات المخلوقين ﴿مّنَ المسجد الحرام﴾ اختُلف في مبدأ الإسراءِ فقيل هو المسجدُ الحرام بعينه وهو الظاهرُ فإنه روى عنه ﷺ أنه قال بينا أنا في المسجد الحرام في الحِجْر عند البيت بين النائم واليقظانِ إذْ أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام بالبُراق وقيل هو دارُ أم هانئ بنتِ أبي طالب والمراد بالمسجد الحرام الحرمُ لإحاطته بالمسجد والْتباسِه به أو لأن الحرم كلَّه مسجد فإنه روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه ﷺ كان نائماً في بيت أم هانئ بعد صلاة العشاءِ فكان ما كان فقصّه عليها فلما قام ليخرُج إلى المسجد تشبثت بثوبه ﷺ لتمنعه خشية أن يكذبه القوم قال ﷺ وإن كذبوني فلما خرج جلس إليه أبو جهل فأخبره ﷺ بحديث الإسراءِ فقال أبو جهل يا معشر كعبِ بنِ لؤي بنِ غالب هلم