وما أوّل المثلين فيه مسكّن فلا بدّ من إدغامه متمثّلا
أي إذا اجتمع حرفان متمثلان وسكن الأول منهما وجب إدغامه في الثاني لغة وقراءة وسواء كانا في كلمة نحو قوله تعالى: يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ [النساء: ٧٨] أو في كلمتين نحو وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ [النحل: ٥٣]، ولا يخرج من هذا العموم إلا حرف المد نحو آمنوا وعملوا الَّذِي يُوَسْوِسُ [الناس: ٥]، فإنه واجب الإظهار فيمد ولا يدغم وقوله متمثلا أي متشخصا.

باب حروف قربت مخارجها


جميع ما سبق هو إدغام حروف قربت مخارجها فكأنه يقول في باب إدغام حروف أخر قربت مخارجها والمذكور في هذا الباب ثمانية أحرف الباء واللام والفاء والدال والتاء والراء والنون والذال وقد قدم الكلام في الباء فقال:
وإدغام باء الجزم في الفاء قد رسا حميدا وخيّر في يتب قاصدا ولا
أخبر أن الباء المجزومة تدغم في الفاء للمشار إليهم بالقاف والراء والحاء في قوله:
قد رسا حميدا وهم خلاد وأبو عمرو والكسائي، وجميع ما في القرآن خمسة مواضع أولها قوله تعالى: أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء: ٧٤]، إِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ [الرعد: ٥] وقالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ [الإسراء: ٦٣] وقالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ [طه: ٩٧] ومَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ [الحجرات: ١١] بالحجرات. ثم أخبر أن المشار إليه بالقاف من قاصدا وهو خلاد له وجه آخر وهو الإظهار في قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ [الحجرات: ١١] فأمرك أن تخير في إدغامه وإظهاره لأن الكل صحيح وتعين لمن لم يذكره الإظهار في الخمسة ومعنى رسا حميدا أي ثبت محمودا والولا بالفتح النصر:
ومع جزمه يفعل بذلك سلّموا ونخسف بهم راعوا وشذّا تثقّلا
أخبر أن اللام من يفعل إذا كان مجزوما يدغم في الذال من ذلك للمشار إليه بالسين في قوله سلموا وهو أبو الحارث وجميع ما في القرآن ستة مواضع أولها بالبقرة وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [البقرة: ٢٣١]، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ [آل عمران: ٢٨] ووَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً [النساء: ٣٠]، وفيها وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ [النساء: ١١٤]، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً [الفرقان: ٦٨] وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ [المنافقون: ٩]، وتعين للباقين الإظهار، فإن لم يكن
يفعل مجزوما لم يدغمه أحد نحو فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ [البقرة: ٨٥]، وقوله:
ونخسف بهم راعوا. أخبر أن المشار إليه بالراء في قوله راعوا وهو الكسائي أدغم الفاء في الباء من نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ [سبأ: ٩]، في سبأ فتعين للباقين الإظهار. ومعنى راعوا أي راقبوا الإدغام فقرءوا به. قوله: وشذا تثقلا الألف في قوله وشذا ضمير يفعل ونخسف أي وشذ إدغام هذين الحرفين عند النحاة إلا القراء لأن الشاذ عند القراء ما لم يتواتر وهذان تواترا»، والشاذ عند النحاة: ما خرج عن قياسه أو ندر.
وعذت على إدغامه ونبذتها شواهد حمّاد وأورثتمو حلا
له شرعه والرّاء جزما بلامها كو اصبر لحكم طال بالخلف يذبلا
أخبر أن المشار إليهم بالشين والحاء في قوله شواهد حماد وهم حمزة والكسائي وأبو عمرو أدغموا الدال في التاء من كلمتين إحداهما: إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي [غافر: ٢٧]، [الدخان: ٢٠]، والثانية فَنَبَذْتُها [طه: ٩٦] فتعين


الصفحة التالية
Icon