سُورَةُ الطَّارِقِ، وهي مَكِّيَّة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى: (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (٤) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (١٠).
قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ):
إن اللَّه - جل وعلا - عظم قدر السماء في أعين الخلق؛ لما جعلها معدن رزقهم ومسكن أولي القدر من خلقه، وهم الملائكة، وفيها خلق الجنة، وخلقها بغير عمد ترى، فأقسم بها؛ لما عظم من شأنها، وجعل مصالح الأغذية بزينتها، وهي الشمس والقمر، وأقسم بالنجم الثاقب، وهو المتلألئ من النجوم المضيء الذي يثقب الشيطان، أي: يخرقه، ولما فيها - أيضا - من عظيم البركات، وبركاتها أنها جعلت بحيث يهتدي بها في البر والبحر، ويوصل بها إلى لطائف التدبير إلى أن ظن بعض الناس أن الأنجم السبعة هي المدبرات، وبها ما منع الشياطين عن الصعود إلى السماء لينتفي بها التلبيس عن الوحي؛ لأنهم لو لم يحفظوا عنها، لكانوا إذا وقفوا على أخبارها أسرعوا بحملها إلى الكهنة؛ فيؤدي ذلك إلى التلبيس.
ومن عظيم قدرها أنها تقطع في الليلة الواحدة مسيرة ألف شهر، فأقسم بها أيضا.
ويجوز أن يكون هذا من اللَّه - تعالى - تعليما لرسوله - عليه السلام - بأن يقسم به دون أن يكون ذلك قسما منه تعالى؛ لأنهم لم يكونوا يرتابون في ألوهيته وربوبيته وصدق أخباره؛ فيزال عنهم الريب بالقسم، وإنما كانوا يرتابون في رسالة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، فعلمه القسم بما ذكر؛ ليؤكد أمره؛ فيحملهم ذلك على النظر في أمره.
ويجوز أن يكون القسم بعين هذه الأشياء؛ لكونها معظمة عند الكفرة، وليس للمسلمين أن يقسموا بها فيما بينهم.


الصفحة التالية
Icon