١٥٤ - قوله تعالى: ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ الآية. قال أبو بكر (١). (الذي بعد (ثم) مقدم على الذي قبلها في النّية، والتقدير: ثم كنا قد آتينا موسى الكتاب قبل إنزالنا القرآن على محمَّد - ﷺ -؛ لأن التوراة أنزلت قبل القرآن.
قال: وجواب آخر وهو: أن (ثم) أوجبت تأخير الخبر بعد الخبر الأول، أي: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ [الأنعام: ١٥١]، إلى قوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٣] ثم قال بعد ذلك: ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ يريد: ثم أخبركم بعد ما أخبرتكم به عن نزول القرآن على محمد (بنزول التوراة على موسى، فدخلت (ثم) لتأخير الخبر لا لتأخير النزول) (٢). وهذا قول أبي إسحاق، وأنكر القول الأول فقال: ((ثم) لا يكون الذي بعدها معناه التقديم، وإنما دخلت ثم للعطف على معنى التلاوة، والمعنى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ وأتلو عليكم لا تقتلوا أولادكم، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله، ثم أتلو عليكم ما آتاه الله جل وعز موسى) (٣).

= الكتاب، وهن إمام في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، ولا يجوز أن يرد عليها النسخ) اهـ.
(١) أبو بكر بن الأنباري محمد بن القاسم. تقدمت ترجمته.
(٢) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٤٣، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٣/ ١٥٢.
(٣) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٣٠٥ - ٣٠٦، وانظر: "تفسير الطبري" ٨/ ٨٩، ٩٠، و"معاني النحاس" ٢/ ٥٢٠، وذكر أبو حيان عدة أقوال في توجيه الآية ثم قال: (وهذه الأقوال كلها متكلفة، والذي ينبغي أن يذهب إليه أنها للعطف كالواو من غير اعتبار مهلة، وقد ذهب إلى ذلك بعض النحاة) ا. هـ وانظر: معاني الحروف للرماني ص ١٠٥، و"غرائب الكرماني" ١/ ٣٩٢، و"المغني" لابن هشام ١/ ١١٧ - ١١٨.


الصفحة التالية
Icon