فنزل فيه ﴿وَأَعْطَى قَلِيلًا﴾ أي: من الخير بلسانه، وأكدى أي قطع ذلك أمسك عنه (١). وهذا تعيير له. ثم زاد في التعيير والتوبيخ فقال:
٣٥ - ﴿أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ﴾ يعني ما غاب عنه من أمر العذاب ﴿فَهُوَ يَرَى﴾ أن صاحبه يتحمل عنه عذابه.
قال الزجاج: (فهو يرى) معناه فهو يعلم، والرؤية تكون بمعنى العلم كالمكفوف، يقول: رأيت زيدًا عاقلاً، فلو كان من رؤية العين لم يجز ذلك (٢)، والمعنى فهو يعلم علم الغيب حتى علم أنه غير معذب بتحمل صاحبه عنه العذاب.
٣٦ - ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ﴾ لم يحدَّث ولم يخبر ﴿بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى﴾ يعني: أسفار التوراة.
٣٧ - ﴿وَإِبْرَاهِيمَ﴾ يعني: وفي صحف إبراهيم ﴿الَّذِي وَفَّى﴾ معنى التوفية في اللغة الإتمام والإكمال، يقال: وفيته أجره، قال الله تعالى: ﴿لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ﴾ [فاطر: ٣٠].
واختلفوا في معنى (وفي) هاهنا. فقال ابن عباس في رواية عطاء والكلبي: بلغ ما أُمر به قومه، وهو قول مقاتل، واختيار الفراء، وابن قتيبة، وهو قول سعيد بن جبير، وإبراهيم، ومجاهد، وأبي العالية، وعكرمة (٣) كل هؤلاء قالوا: بلغ قومه وأدى إليهم عن الله هؤلاء الكلمات، وهي قوله تعالى:
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣١ ب، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٤ ب، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١١١.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٧٥.