الزخرف
٤ ﴿
{بسم الله الرحمن الرحيم﴾

﴿حم﴾ الكلامُ فيهِ كالذي مر في فاتحة سورة يس خَلاَ أنَّ الظاهرَ على تقديرِ اسميتِه كونُه اسماً للقُرآنِ لا للسورةِ كما قيل فإن ذلك مُخِلٌّ بجزالة النظمِ الكريم
﴿والكتاب﴾ بالجرِّ على أنه مُقسمٌ بهِ إمَّا ابتداءً أو عطفاً عَلى حم على تقدير كونه مجرورا بإضمارِ باءِ القسمِ على أنَّ مدارَ العطفِ المغايرةُ في العنوان ومناط تكريم القسمِ المبالغةُ في تأكيدِ مضمونِ الجملةِ القَسَميةِ ﴿المبين﴾ أي البيِّنِ لمن أُنزلَ عليهم لكونِه بلغتِهم وعَلى أساليبِهم أو المبينِ لطريقِ الهُدى من طريقِ الضلالةِ الموضح لكل ما يُحتاج إليهِ في أبوابِ الديانةِ
﴿إنا جعلناه قرآنا عَرَبِيّاً﴾ جوابٌ للقسمِ لكنْ لا على أنَّ مرجعَ التأكيدِ جعلُه كذلكَ كما قيلَ بلْ ما هُو غايتُه التي يُعربُ عنها قولُه تعالى ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ فإنَّها المحتاجةُ إلى التحقيقِ والتأكيدِ لكونِها منبئةً عن الاعتناءِ بأمرِهم وإتمام النعمةِ عليهم وإزاحةِ أعذارِهم أي جعنا ذلكَ الكتابِ قُرآناً عربياً لكي تفهمُوه وتحيطُوا بما فيهِ من النظمِ الرائقِ والمعنى الفائق وتقفوا على ما يتضمنه من الشواهدِ الناطقةِ بخروجِه عن طوقِ البشرِ وتعرفُوا حقَّ النعمةِ في ذلك وتنقطعَ أعذارُكم بالكليةِ
﴿وَإِنَّهُ فِى أُمّ الكتاب﴾ أي في اللوحِ المحفوظِ فإنَّه أصلُ الكتبِ السماويةِ وقُرِىءَ إِمِّ الكتابِ بالكسرِ ﴿لَدَيْنَا﴾ أي عندنَا ﴿لَّعَلّى﴾ رفيعٌ القدرِ بينَ الكتبِ شريفٌ ﴿حَكِيمٌ﴾ ذُو حكمةٍ بالغةٍ أو محكمٌ وهُما خبرانِ لإنَّ وما بينهُمَا بيانٌ لمحلِّ الحكمِ كأنَّه قيلَ بعدَ بيانِ اتصافِه بما ذُكِرَ منَ الوصفينِ الجليلينِ هذا في أمِّ الكتابِ ولدينَا والجملةُ إمَّا عطف على الجمل المقسمِ عليها داخلةٌ في حُكمها ففي الإقسامِ بالقرآنِ على علوِّ قدرِه عندَهُ تعالَى براعةٌ بديعةٌ وإيذانٌ بأنَّه من عُلِّو الشأنِ بحيثُ لا يحتاجُ في بيان الى لاستشهاد عليهِ بالإقسامِ بغيرهِ بل هُو بذاتِه كافٍ في الشهادةِ على ذلكَ من حيثُ الإقسامُ بهِ كَما أنَّه كافٍ فيها من حيثُ إعجازُه ورمزٌ إلى أنَّه لا يخطرُ بالبالِ عند ذكره شيىء آخر أولى منه بالإقسامِ به وإمَّا مستأنفةٌ مقررةٌ لعلوِّ شأنِه الذي أنبأَ عنه الإقسامُ به على منهاجِ الاعتراضِ في قوله تعلى وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عظيم


الصفحة التالية
Icon