منفِق. وقيل المراد: والله يضاعف تلك المضاعفة لمن يشاء؛ أي: لبعض الناس، لا لكلهم. فالسبع مئة غير مطردة على هذا، بل المطرد التضعيف إلى عشرة فقط.
﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ﴾ فضله، لا يضيق عليه ما يتفضل به من التضعيف ﴿عَلِيمٌ﴾ بنية المنفِق، وبمن يستحق المضاعفة، وبما يستحقه المنفق من الجزاء والثواب عليه.
٢٦٢ - ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ﴾ وهذا تقييد (١) لما قبله؛ أي: إن المضاعفة المذكورة مشروطة بعدم المن والأذى. والمعنى: الذين يصرفون أموالهم ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾؛ أي: في وجوه الخيرات واجبة كانت، أم لا. ﴿ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا﴾؛ أي: لا يعقبون ما أنفقوا ﴿مَنًّا﴾ على المنفَق عليه، وتحدثًا بما أعطى له. والمن: أن يعدد إحسانه على من أحسن إليه؛ كأن يقول له: أعطيتك كذا وكذا، فيعدد نعمه عليه، فيكدرها عليه، وهو من الكبائر، كما ثبت في "صحيح" مسلم وغيره: أن المانّ أحد الثلاثة الذين لا ينظر الله إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم. وقدم المن على الأذى؛ لكثرة وقوعه، ووَسَّط كلمة ﴿لَا﴾ بينهما في قوله: ﴿وَلَا أَذًى﴾؛ للدلالة على شمول النفي باتباع كل واحد منهما؛ أي: ولا يتبعون نفقاتهم أذىً للمنفَق عليه. والأذى: هو أن يعيِّره، فيقول: كم تسأل، وأنت فقير أبدًا، ولا تكتسب، وقد بليت بك، وأراحني الله منك، وأمثال ذلك، كالعبوس في وجهه.
إذا عرفت هذا فنقول: المن: هو إظهار المعروف إلى الناس، والمن عليهم به. والأذى: هو أن يشكو منهم بسبب ما أعطاهم، فحرم الله تعالى على عباده المن بالمعروف، والأذى فيه، وذم فاعله.
وقال عبد الرحمن بن يزيد: كان أبي يقول: إذا أعطيت رجلًا شيئًا، ورأيت أن سَلَامك يثقل عليه.. فلا تسلم عليه. والعرب تمدح بترك المن، وكتم النعمة، وتذم على إظهارها، والمن بها. قال قائلهم في المدح بترك المن:

زَادَ مَعْرُوْفَكَ عِنْدِي عِظَمًا أَنَّهُ عِنْدَكَ مَسْتُوْرٌ حَقِيْر
(١) الجمل.


الصفحة التالية
Icon