لكم يمحصكم به، ويميز الصادقين من المنافقين، والصابرين من الجازعين ﴿وَلَقَدْ عَفَا﴾ الله سبحانه وتعالى ﴿عَنْكُمْ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي لقد غفر الله لكم أيها المخالفون أمر الرسول - ﷺ - ما ارتكبتموه من المخالفة والهزيمة تفضلًا منه لما علم من ندمكم على المخالفة ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿ذُو فَضْلٍ﴾ وطول، وإحسان ﴿عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: على أهل الإيمان به، وبرسوله، فيعفو عن كثير مما يستوجبون به العقوبة من الذنوب، ولا يذرهم على ما هم عليه من تقصيرٍ يهبط بنفوس بعض، وضعف يلم بآخرين، بل يمحص ما في صدورهم حتى يكونوا من المخلصين الطائعين المخبتين.
١٥٣ - وفي الآية: دليلٌ (١) على أنَّ صاحب الكبيرة مؤمنٌ، وأنَّ الله تعالى يعفو بفضله وكرمه إن شاء؛ لأنه سمَّاهم مؤمنين مع ما ارتكبوه من مخالفة أمر رسول الله - ﷺ - وهي كبيرةٌ، وعفا عنهم بعد ذلك. والظرف في قوله: ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ﴾ إما متعلق بصرفكم، وهو أجود من جهة المعنى، أو بعفا، وهو أحسن من جهة القرب أو بعصيتم، أو تنازعتم أو باذكروا محذوفًا؛ أي: ثم صرفكم عنهم حين تبالغون في الذهاب في صعيد الأرض، والإبعاد في نواحيها، منهزمين منهم هاربين في الجبل، والإصعاد الذهاب في صعيد الأرض. ﴿وَلَا تَلْوُونَ﴾؛ أي: ولا تلتفتون ﴿عَلَى أَحَدٍ﴾ وراءكم؛ أي: لا يلتفت بعضكم إلى بعض، ولا ينتظره لشدة الدهشة التي عرتكم، والخوف الذي فجأكم ﴿وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ﴾؛ أي: والحال أنَّ الرسول محمدا - ﷺ - يناديكم من ورائكم و ﴿فِي أُخْرَاكُمْ﴾؛ أي: في (٢) ساقتكم أو جماعتكم الآخرى، أي: واقفٌ في آخركم يقول: "إليَّ عباد الله، إليَّ عباد الله، أنا رسول الله من كَرَّ - رجع - فله الجنة" وأنتم لا تسمعون، ولا تنظرون، وقد كان لكم أسوةٌ بالرسول، فتقتدون به في الصبر والثبات.
وقرأ الجمهور (٣) ﴿تُصْعِدُونَ﴾ بضم التاء مضارع أصعد الرباعي، والهمزة
(٢) البيضاوي.
(٣) البحر المحيط.