مخاطب؛ أي: ولا تحسبن يا محمَّد الذين كفروا الذين خلصوا منك يوم بدر فائتين من عذابنا ﴿إِنَّهُمْ﴾ بهذا الفرار ﴿لَا يُعْجِزُونَ﴾ الله تعالى من الانتقام منهم، إمَّا بالقتل في الدنيا، وإمّا بعذاب النار في الآخرة. وقرأ ابن عامر ﴿إِنَّهُمْ﴾ - بفتح الهمزة - على التعليل
٦٠ - ﴿وَأعِدُّوا لَهُمْ﴾، أي: وهيئوا أيها المسلمون لحرب الكفار ﴿مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ وقدرتم عليه وأمكن لكم ﴿مِنْ قُوَّةٍ﴾، أي: من كل ما يتقوى به في الحرب، من كل ما هو آلة للجهاد، كالسيف والرماح والقوس. ﴿وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾؛ أي: ومن الخيل المربوط المهيأ، المقتنى للجهاد عليه، سواء كان من الفحول، أو من الإناث. وروي أنه كانت الصحابة يستحبون ذكور الخيار عند الصفوف، وإناث الخيل عند البيات والغارات، حالة كونكم ﴿تُرْهِبُونَ﴾ وتخوفون ﴿بِهِ﴾، أي: بذلك الإعداد، أو بما ذكر من القوة والخيل المربوط. وقرىء ﴿تخزون﴾ ﴿عدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ وهم كفار مكة، وذكر أوَّلًا عدو الله؛ تعظيمًا لما هم عليه من الكفر، وتقوية لذمهم، وأنه يجب لأجل عدواتهم أن يقاتلوا ويبغضوا، ثم قال: ﴿وَعَدُوَّكُمْ﴾ على سبيل التحريض على قتالهم؛ إذ في الطبع أن يعادي الإنسان من عاداه، وأن يبغي له الغوائل. ذكره أبو حيان في "البحر" ﴿و﴾ ترهبون به قومًا ﴿وَآخَرِينَ﴾ من أعدائكم ﴿مِنْ دُونِهِمْ﴾؛ أي: من غير كفار مكة ﴿لَا تَعْلَمُونَهُمُ﴾؛ أي: لا تعلمون أنتم أيها المؤمنون أولئك الآخرين، على ما هم عليه من العداوة لكم، أي: فإنَّ تكثير آلات الجهاد كما يرهب الأعداء الذين تعلمون كونهم أعداءً لكم.. كذلك يرهب الأعداء الذين لا تعلمون أنهم أعداء، سواء كانوا مسلمين أو كفارًا. ﴿اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾؛ أي: الله سبحانه وتعالى لا غيره يعلم أولئك الآخرين؛ أي: كونهم أعداء لكم. ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ﴾؛ أي: من مال قل أو جلَّ من آلةٍ وسلاحٍ وصفراء وبيضاء ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾؛ أي: في طاعة الله في الجهاد، وفي سائر وجوه الخيرات ﴿يُوَف إِلَيكُمْ﴾؛ أي: يخلف لكم من العاجل، ويوفَّر لكم أجره في الآخرة، أي: يعطي لكم عليه أجرًا وافرًا كاملًا ﴿وَأَنتُمْ تُظْلَمُون﴾؛ أي: لا تنقصون من أجوره شيئًا، ولو مثقال ذرة، بل يصير ذلك إليكم وافيًا وافرًا كاملًا ﴿وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما﴾، ﴿أني لا أضيع عمل عامل منكم﴾.