ليصدقهم كدأبهم من قبل، فقد كانوا يحلفون للمؤمنين ليرضوهم، كما قال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ ويخوضون في آيات الله وفي رسوله، استهزاءً خرجوا به من الإيمان الذي يدعونه إلى الكفر الذي يكتمونه، فقال:
٧٤ - ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ﴾؛ أي: يحلف ويقسم لك، يا محمَّد، هؤلاء المنافقون باسم الله تعالى على أنهم ﴿مَا قَالُوا﴾ تلك الكلمة التي نسبت إليهم، والله يكذبهم، ويثبت أنهم قد قالوا كلمة الكفر، التي رويت عنهم، حيث قال: ﴿وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي، لقد قالوا كلمة الكفر، التي نسبت إليهم بتوافقهم على شتم النبي - ﷺ -، وطعنهم على دينه ﴿وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ﴾؛ أي: أظهروا الكفر وجاهروا بالحرب بتلك الكلمة بعد أن أظهروا الإِسلام، وإن كانوا كفارًا في الباطن.
والمعنى: أنهم فعلوا ما يوجب كفرهم، على تقدير صحة إسلامهم ﴿وَهَمُّوا﴾؛ أي: قصدوا ﴿بِمَا لَمْ يَنَالُوا﴾؛ أي بما لم يصيبوا، ولم يقدروا على تحصيله، قيل: هو همهم بقتل رسول الله - ﷺ -، ليلة العقبة في غزوة تبوك، كما قاله ابن كثير، وقيل: هموا بعقد التاج على رأس عبد الله بن أبي، وقيل غير ذلك.
ولم يذكر القرآن تلك الكلمة التي قالوها؛ لأنه لا ينبغي ذكرها، ولئلا يتبعد بتلاوتها، وأصح ما قيل فيها: ما رواه ابن جرير والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان رسول الله - ﷺ - جالسًا في ظل شجرةٍ، فقال: "إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا جاء.. فلا تكلموا" فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق فدعاه رسول الله - ﷺ -، فقال: "علام تشتمني أنت وأصحابك"؟ إلى آخر ما سبق في أسباب النزول، وأما همهم بما لم ينالوا فهو اغتيال رسول الله - ﷺ - في العقبة عند منصرفه من تبوك.
روي: أنَّ (١) المنافقين هموا بقتله - ﷺ - عند رجوعه من تبوك، وهم خمسة عشر رجلًا، قد اتفقوا على أن يدفعوه - ﷺ - عن راحلته ليقع في الوادي فيموت،

(١) المراح.


الصفحة التالية
Icon