المقحمة": كيف سمى الجوع لباسًا؟ قيل: لأنه يظهر من الهزال وشحوب اللون وضيق الحال ما هو كاللباس، وقال في "الإرشاد": شبه أثر الجوع والخوف وضررهما المحيط بهم باللباس الغاشي للابس، فاستعير له اسمه، وأوقع عليه الإذاقة المستعارة لمطلق الإيصال المنبئة عن شدة الإصابة ﴿بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾؛ فيما قبل من الكفران، والضمير فيه عائد على المحذوف في قوله ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً﴾؛ أي: قصة أهل قرية، أعاد الضمير أولًا على لفظ قرية، ثم على المضاف المحذوف كقوله: ﴿فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾ ذكره في "البحر".
وقرأ الجمهور (١) ﴿والخوف﴾ بالجر عطفًا على الجوع، وروى العباس عن أبي عمرو ﴿والخوف﴾ بالنصب عطفًا على ﴿لباس﴾، قال صاحب "اللوامح": ويجوز أن يكون نصبه بإضمار فعل، وقال الزمخشري: يجوز أن يكون على تقدير حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، أصله: ولباس الخوف، وقرأ عبد الله: ﴿فأذاقها الله الخوف والجوع﴾ ولا يذكر لباس، والذي أقوله: أن هذا تفسير المعنى؛ لأن المنقول منه مستفيضًا مثل ما في سواد المصحف، وفي مصحف أبي بن كعب: ﴿لباس لخوف والجوع﴾ بدأ بمقابل ما بدأ به في قوله: ﴿كَانَتْ آمِنَةً﴾، وهذا عندي إنما كان في مصحفه قبل أن يجمعوا ما في سواد المصحف الموجود الآن شرقًا وغربًا، ولذلك المستفيض من أبي في القراءة إنما هو كقراءة الجماعة.
١١٣ - والظاهر أن الضمير في قوله: ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ﴾ عائد على ما عاد عليه في قوله: ﴿بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾؛ أي: ولقد جاء أهل تلك القرية وهي مكة أو غيرها على الخلاف المذكور أولًا ﴿رَسُولٌ مِنْهُمْ﴾؛ أي: من جنسهم، يعرفونه بأصله ونسبه، فأخبرهم بوجوب الشكر على النعمة وأنذرهم سوء عاقبة الكفران، ﴿فَكَذَّبُوهُ﴾ في رسالته ﴿فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ﴾ المستأصل غبَّ ما ذاقوا نبذة من ذلك