والمعنى (١): أي واذكر أيها الرسول الكريم، العهد والميثاق الذي أخذه الله تعالى على أولى العزم الخمسة، وبقية الأنبياء، ليقيمن دينه ويبلغن رسالته، ويتناصرن، كما قال في آية أخرى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾ الآية. ﴿وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ بسؤالهم عما فعلوا حين الإرسال كما قال: ﴿وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ وقد جرت العادة أن الملك إذا أرسل رسولًا وأمره بشيء، وقبله.. كان ذلك ميثاقًا عليه، فإذا أعلمه بأنه سيسأله عما يقول، ويفعل.. كان ذلك تغليظًا للميثاق، حتى لا يزيد ولا ينقص في الرسالة.
فإن قلت: لم (٢) قدم النبي - ﷺ - في هذه الآية، وقدم نوحًا في آية ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا﴾ الآية؟
قلت: قدمه - ﷺ - هنا إظهارًا لشرفه وفضله عليهم - ﷺ - عليهم أجمعين، وقدم نوحًا هناك، لأن الآية سيقت لوصف ما بعث به نوح من العهد القديم، وما بعث به نبينا من العهد الحديث، وما بعث به من توسطهما من الأنبياء المشاهير، فكان تقديم نوح فيها أشد مناسبةً للمقصود من بيان أصالة الدين وقدمه. اهـ. "كرخي".
٨ - ثم بين علة أخذ الميثاق على النبيين، فقال: ﴿لِيَسْأَلَ﴾ الله سبحانه ﴿الصَّادِقِينَ﴾؛ أي: الأنبياء ﴿عَنْ صِدْقِهِمْ﴾ في تبليغ الرسالة إلى قومهم، وفي هذا وعيد لغيرهم؛ لأنهم إذا كانوا يسألون عن ذلك فكيف غيرهم.
وقيل: ليسأل الأنبياء عما أجابهم به قومهم، كما في قوله: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦)﴾ و (اللام) فيه: لام كي، إما متعلقة بـ ﴿أَخَذْنَا﴾؛ أي: وأخذنا من هؤلاء الأنبياء ميثاقهم، لكي نسأل المرسلين عما أجابتهم به أممهم، وما فعل أقوامهم فيما بلغوهم عن ربهم من الرسالة، وقيل: متعلق بمحذوف مستأنف، مسوق لبيان ما هو داع، إلى ما ذكر من أخذ الميثاق وغاية

(١) المراغي.
(٢) الفتوحات.


الصفحة التالية
Icon