﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾ كيف: للسؤال عن الأحوال، والمراد هنا: الأحوال التي يقع عليها الكفر من العسر واليسر، والسفر والإقامة، والكبر والصغر، والعز والذل، وغير ذلك، والاستفهام هنا: للتوبيخ والإنكار، فكأنه قال: لا ينبغي أن توجد فيكم تلك الصفات التي يقع عليها الكفر، فلا ينبغي أن يصدر منكم الكفر في كل حال من تلك الأحوال ﴿فَأَحْياكُمْ﴾ أصله: أحيي بوزن أفعل، عينه ولامه حرفا علّة، تحركت الياء الأخيرة وفتح ما قبلها فقلبت ألفا ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ مضارع أمات الرباعي وأصله: يموتكم بوزن يفعل، نقلت حركة الواو إلى الميم فسكنت الواو إثر كسرة، فقلبت ياء حرف مد ﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ أصله: يحييكم بوزن يفعل، استثقلت الضمة على الياء الأخيرة فحذفت، فلما سكنت إثر كسرة صارت حرف مد ﴿ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ﴾ أصله استوي بوزن افتعل، تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ﴿فَسَوَّاهُنَّ﴾ أصله: سوّي بوزن فعّل المضعف، قلبت ياؤه ألفا؛ لتحركها بعد فتح.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبا من البلاغة، وأنواعا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: ذكر عنوان الربوبية في قوله: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ مع إضافته إلى المخاطبين؛ للتفخيم والتعظيم.
ومنها: المقابلة اللطيفة في قوله: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشًا وَالسَّماءَ بِناءً﴾ فقد قابل بين الأرض والسماء، والفراش والبناء.
ومنها: الإضافة للتشريف في قوله: ﴿عَلى عَبْدِنا﴾؛ لأنه أشرف أسمائه صلّى الله عليه وسلّم.
ومنها: الالتفات من الغيبة في قوله: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشًا﴾ الخ.
إلى التكلم في قوله: ﴿مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا﴾ لما فيه من التفخيم للمنزّل والمنزل عليه، ما لا يؤدّيه ضمير غائب لو قال مما نزل على عبده، لا سيما كونه أتى بـ (نا) المشعرة بالتعظيم التام، وتفخيم الأمر، ونظيره ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا﴾.


الصفحة التالية
Icon