سورة النساء
مدنية
مائة وخمس أو ست أو سبع وسبعون آية وثلاثة آلافوخمس وأربعون كلمة وستة عشر ألف حرف وثلاثون حرفاً
﴿بسم الله﴾ الظاهر الملك العلام ﴿الرحمن﴾ الذي عم عباده بالأنعام ﴿الرحيم﴾ الذي خص أهل ولايته بدار السلام وقوله تعالى:
﴿يأيها الناس﴾ خطاب يعم المكلفين من أولاد آدم من الذكور والإناث الموجودين منهم في زمن نبينا ﷺ من العرب وغيرهم، وقيل: يختص بالعرب منهم لقوله تعالى: ﴿واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام﴾ إذ المناشدة بالله وبالرحم عادة مختصة بهم فيقولون: أنشدك بالله وبالرحم، وأجيب بأنّ خصوص آخر الآية لا يمنع عموم أوّلها ﴿اتقوا ربكم﴾ أي: عذابه بأن تطيعوه ﴿الذي خلقكم من نفس واحدة﴾ أي: فرّعكم من أصل واحد، وهو نفس آدم أبيكم.
وقوله تعالى: ﴿وخلق منها زوجها﴾ معطوف على «خلقكم» أي: خلقكم من شخص واحد هو آدم، وخلق منها أمكم حوّاء بالمدّ من ضلع من أضلاعه اليسرى، أو معطوف على محذوف كأنه قيل: من نفس واحدة أنشأها وابتدأها وخلق منها زوجها، وإنما حذف لدلالة المعنى عليه، والمعنى: شعبكم من نفس واحدة هذه صفتها وهي أنه أنشأها من تراب وخلق منها زوجها حوّاء، وهو تقرير لخلقكم من نفس واحدة، وقوله تعالى: ﴿وبث منهما﴾ أي: من آدم وحوّاء ﴿رجالاً كثيراً ونساء﴾ أي: كثيراً بيان لكيفية تولدهم منهما.
والمعنى: وبث أي: نشر من تلك النفس والزوج المخلوقة منها بنين وبنات كثيرة، واكتفى بوصف الرجال بالكثرة عن وصف النساء بها إذ الحكمة تقتضي أن يكنّ أكثر إذ للرجل أن يزيد في عصمته على واحدة بخلاف المرأة، وذكر كثيراً حملاً على الجمع ولا تكرار في الآية؛ لأن خلقكم من نفس واحدة مغاير لخلق حوّاء منها؛ لأنها خلقت من ضلعه وهم من مائهما ولبث الرجال والنساء؛ لأنه بين به أن خلقهم من نفس واحدة معناه من نفس آدم وحوّاء مع زيادة التصريح بالرجال والنساء ﴿واتقوا الله الذي تساءلون﴾ فيه إدغام التاء في الأصل في السين أي: تتساءلون ﴿به﴾ فيما بينكم حيث يقول بعضكم لبعض: أسألك بالله، وأنشدك بالله.
فإن قيل: الذي يقتضيه سداد نظم الكلام وجزالته أن يجاء عقب الأمر بالتقوى بما يوجبها أو يدعو إليها ويبعث عليها، فكيف كان خلقه إياهم من نفس واحدة على التفصيل الذي ذكره موجباً للتقوى وداعياً إليها؟ أجيب: بأنّ ذلك مما يدل على القدرة العظيمة، ومن قدر على ذلك كان قادراً على كل شيء، ومن المقدورات عقاب العصاة، فالنظر فيه يؤدّي إلى أن يتقي القادر عليه ويخشى عقابه؛ ولأنه يدل على النعمة السابقة عليهم فحقهم أن يتقوه في كفرانها، والتفريط فيما يلزمهم من القيام بشكرها، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بتخفيف السين والباقون بتشديدها ﴿و﴾ اتقوا ﴿الأرحام﴾ أي: بأن تصلوها ولا تقطعوها، وكانوا يتناشدون بالرحم، وقد نبه سبحانه وتعالى إذ قرن الأرحام باسمه على أن صلتها بمكان منه تعالى.
روى الشيخان أنه ﷺ قال: «الرحم معلقة
عن أبيه قال رسول الله ﷺ لما انتهيت إلى بيت المقدس قال جبريل بأصبعه فخرق بها حجراً وشد به البراق وفي رواية أنه جاء جبريل بالبراق إلى النبي ﷺ وقال له يامحمد اركب فركبه ﷺ ومعه جبريل وطار به البراق في الهواء فاخترق به الجو فعطش ﷺ واحتاج إلى الشراب فأتاه جبريل باناءين إناء من لبن وإناء من خمر وذلك قبل تحريم الخمر فعرضهما عليه فتناول اللبن فقال له جبريل عليه السلام أصبت الفطرة أصاب الله تعالى بك أمّتك ولذلك كان ﷺ يتأوّل اللبن بالعلم فلما وصل إلى السماء الدنيا استفتح إلى أن قال ثم عرج بي إلى سدرة المنتهى وأخبره جبريل أن أعمال بني آدم تنتهي إلى تلك السدرة وأنها مقر الأرواح فهي نهاية لما ينزل مما فوقها ونهاية لما يعرج إليها مما هو دونها وبها مقام جبريل عليه السلام فنزل ﷺ عن البراق وجيء إليه بالرفرف وهو نظير المحفة عندنا فقعد عليه وسلمه جبريل إلى الملك النازل بالرفرف فسأله الصحبة ليأنس به فقال له: لا أقدر لو خطوت خطوة لاحترقت فما منا إلا له مقام معلوم وما أسرى الله بك يا محمد إلا ليريك من آياته فلا تغفل، فودّعه وانصرف مع ذلك الملك والرفرف، والملك يمشي به إلى أن ظهر لمستوى سمع فيه صرير الأقلام في الألواح وهي تكتب ما يجريه الله تعالى في خلقه وما تنسخه الملائكة من أعمال عباده قال تعالى: ﴿إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون﴾ (الجاثية، ٢٩)
ثم زج بي في النور زجة فأفرده الملك الذي كان معه وتأخر عنه فلم يره معه فعلم أن الرفرف ما تدلى إلا لكون البراق له مكان لا يتعدّاه كجبريل، لما بلغ إلى المكان الذي لا يتعدّاه وقف وكذلك الرفرف لما وصل إلى مقام لا يتعدّاه زج به في النور فغمره النور من جميع نواحيه وأعطي علماً آخر لم يكن يعلمه قبل ذلك عن وحي من حيث لا يدري وجهته» :
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «لقد رأيتني وأنا في الحجر وقريش تسألني عن مسراي: فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربة ما كربت مثلها قط فرفعه الله إليّ لأنظر إليه فما سألوني عن شيء إلا أنبئتهم به وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا بموسى قائم يصلي فإذا رجل جعد كأنه من رجال شنوءة وإذا عيسى بن مريم قائم يصلي أقرب الناس به شبهاً عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم يعني به نفسه ﷺ فحانت الصلاة فأممتهم فلما فرغت قال قائل: يا محمد هذا مالك خازن النار فسلم عليه فالتفت إليه فبدأني بالسلام». وعن جابر أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «لما كذبني قريش قمت إلى الحجر فجلّى الله لي بيت المقدس» وذكر الحديث. وعن أنس رضي الله عنه أنّ رسول الله ﷺ قال: «أتيت موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره».
فإن قيل: رأى رسول الله ﷺ موسى يصلي في قبره وكيف تصلي الأنبياء بعد الموت وهم في دار الآخرة؟ أجيب: بأن صلاته ﷺ بالأنبياء عليهم السلام ببيت المقدس يحتمل أن الله تعالى جمعهم له ليصلي بهم ويعرفوا فضله وتقدّمه عليهم، ثم إن الله تعالى أراه إياهم في السموات على مراتبهم ليعرف هو مراتبهم وفضلهم، وأما مروره بموسى وهو قائم يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر
أحد ذلك في شيء منه ظاهراً ولا باطناً وقال في سورة الملائكة: ﴿الحمد لله فاطر السموات والأرض﴾ (فاطر: ١)
إشارة إلى نعمة الإبقاء بدليل قوله تعالى: ﴿جاعل الملائكة رسلاً﴾ (فاطر: ١)
أي: يوم القيامة يرسلهم الله تعالى مسلمين على المسلمين كما قال تعالى: ﴿وتتلقاهم الملائكة﴾ (الأنبياء: ١٠٣)
وقال تعالى عنهم: ﴿سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين﴾ (الزمر: ٧٣)
وفاتحة الكتاب لما اشتملت على ذكر نعمتين أشار بقوله تعالى: ﴿الحمد لله رب العالمين﴾ (الفاتحة: ٢) إلى النعمة العاجلة، وأشار بقوله تعالى: ﴿مالك يوم الدين﴾ (الفاتحة: ٤)
إلى النعمة الآجلة فرتب الافتتاح والاختتام عليهما.
فإن قيل: قد ذكرتم أن الحمد ههنا إشارة إلى النعم التي في الآخرة فلم ذكر الله تعالى السموات والأرض؟ أجيب: بأن نعم الآخرة غير مرئية فذكر الله تعالى النعم المرئية وهي ما في السموات وما في الأرض.
ثم قال: ﴿وله الحمد في الآخرة﴾ ليقابل نعم الآخرة بنعم الدنيا، ويعلم فضلها بدوامها وقيل: الحمد في الآخرة هو حمد أهل الجنة كما قال تعالى: ﴿وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن﴾ (فاطر: ٣٤)
﴿والحمد لله الذي صدقنا وعده﴾ (الزمر: ٧٤)
وتقدم الكلام على الحمد لغة واصطلاحاً، والشكر كذلك في أول الفاتحة فتح الله علينا بكل خير وفعل ذلك بأحبابنا.
ولما تقرر أن الحكمة لا تتم إلا بإيجاد الآخرة قال تعالى: ﴿وهو الحكيم﴾ أي: الذي بلغت حكمته النهاية التي لا مزيد عليها، والحكمة هي العلم بالأمور على وجه الصواب متصلاً بالعمل على وفقه ﴿الخبير﴾ أي: البليغ الخبر وهو العلم بظواهر الأمور وبواطنها حالاً ومآلاً.
ثم بين كمال خبره بقوله تعالى:
﴿يعلم ما يلج﴾ أي: يدخل ﴿في الأرض﴾ أي: هذا الجنس من المياه والأموال والأموات وغيرها ﴿وما يخرج منها﴾ من المياه والمعادن والنبات وغيرها ﴿وما ينزل من السماء﴾ أي: من هذا الجنس من قرآن وملائكة وماء وحرارة وبرودة وغير ذلك ﴿وما يعرج فيها﴾ من الكلام الطيب قال تعالى: ﴿إليه يصعد الكلم الطيب﴾ (فاطر: ١٠)
والملائكة والأعمال الصالحة قال تعالى ﴿والعمل الصالح يرفعه﴾ (فاطر: ١٠)
تنبيه: قدم ما يلج في الأرض على ما ينزل من السماء لأن الحبة تبذر أولاً ثم تسقى ثانياً وقال تعالى ﴿ما يعرج فيها﴾ ولم يقل ما يعرج إليها إشارة إلى قبول الأعمال الصالحة لأن كلمة إلى للغاية فلو قال وما يعرج إليها لفهم الوقوف عند السموات فقال ﴿وما يعرج فيها﴾ ليفهم نفوذه فيها وصعوده وتمكنه فيها، ولهذا قال في الكلم الطيب ﴿إليه يصعد الكلم الطيب﴾ لأن الله تعالى هو المنتهى ولا مرتبة فوق الوصول إليه ﴿وهو﴾ أي: والحال أنه وحده مع كثرة نعمه المقيمة للأبدان ﴿الرحيم﴾ أي: المنعم بإنزال الكتب وإرسال الرسل لإقامة الأديان وغير ذلك ﴿الغفور﴾ أي: المحاء للذنوب للمفرطين في شكر نعمته مع كثرتها أو في الآخرة مع ما له من سوابق هذه النعم الفائقة للحصر.
تنبيه: قدم تعالى صفة الرحمة على صفة الغفور ليعلم أن رحمته سبقت غضبه.
ثم بين تعالى أن هذه النعمة التي يستحق الله تعالى بها الحمد وهي نعمة الآخرة أنكرها قوم فقال:
﴿وقال الذين كفروا﴾ أي: ستروا ما دلتهم عليه عقولهم من براهينها الظاهرة ﴿لا تأتينا الساعة﴾ أي: أنكروا مجيئها أو استظهارها استهزاء بالوعد به، وقوله تعالى لنبيه ﷺ ﴿قل﴾ أي: لهم ﴿بلى﴾ رد لكلامهم وإيثار لما نفوه ﴿وربي﴾ أي: المحسن إلي بما عمني به معكم وبما خصني من تنبيئي وإرسالي إليكم إلى غير ذلك من أمور
بأن يعظمه كل من بلغه أمره لأن عظمته من عظمته، ولم يذكر حرف الغاية إشارة إلى عموم الإرسال إلى كل من شمله الملك كما مضى ﴿بالهدى﴾ أي: البيان الشافي بالقرآن والمعجزة ﴿ودين الحق﴾ أي: والملة الحنيفية ﴿ليظهره﴾ أي: يعليه مع الشهرة وإذلال المنازع ﴿على الدين﴾ أي: جنس الشريعة التي ستجعل ليجازى من يسلكها ومن يزغ عنها بما يشرع فيها من الأحكام ﴿كله﴾ فلا يبقى دين إلا كان دونه، وانمحق به وذل أهله ذلاً لا يقاس به ذل ﴿ولو كره﴾ أي: إظهاره ﴿المشركون﴾ أي: المعاندون في كفرهم الراسخون في سلك المعاندة.
فإن قيل: قال أولاً: ﴿ولو كره الكافرون﴾، وقال ثانياً: ﴿ولو كره المشركون﴾، فما الحكمة في ذلك؟.
أجيب: بأنه تعالى أرسل رسوله، وهو من نعم الله تعالى، والكافرون كلهم في كفران النعم سواء فلهذا قال ﴿ولو كره الكافرون﴾ لأن لفظ الكافر أعم من لفظ المشرك فالمراد من الكافرين هنا اليهود والنصارى والمشركون، فلفظ الكافر أليق به. وأما قوله تعالى: ﴿ولو كره المشركون﴾ فذلك عند إنكارهم التوحيد وإصرارهم عليه، لأنه ﷺ في ابتداء الدعوة أمر بالتوحيد بلا إله إلا الله فلم يقولوها، فلهذا قال: ﴿ولو كره المشركون﴾.
﴿س٦١ش١٠/ش١٤ يَا؟أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا؟ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ وَتُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ؟ ذَالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ا؟نْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ؟ ذَالِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا؟ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ؟ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ * يَا؟أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا؟ كُونُو؟ا؟ أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّـ؟نَ مَنْ أَنصَارِى؟ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ؟ فَـ؟َامَنَت طَّآ؟ـ؟ِفَةٌ مِّن؟ بَنِى؟ إِسْرَا؟ءِيلَ وَكَفَرَت طَّآ؟ـ؟ِفَةٌ؟ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَءَامَنُوا؟ عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا؟ ظَاهِرِينَ﴾
واختلف في سب نزول قوله تعالى: ﴿يأيها الذين آمنوا﴾ أي: أقروا بالإيمان ﴿هل أدلكم﴾ أي: وأنا المحيط علماً وقدرة فهي إيجاب في المعنى، ذكر بلفظ الاستفهام تشريفاً ليكون أوقع في النفس ﴿على تجارة تنجيكم من عذاب أليم﴾ أي: مؤلم فقال مقاتل: نزلت في عثمان بن مظعون قال: «يا رسول الله لو أذنت لي طلقت خولة، وترهبت واختصيت، وحرمت اللحم، ولا أنام بليل أبداً، ولا أفطر بنهار، فقال ﷺ إن من سنتي النكاح، ولا رهبانية في الإسلام إنما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله، وخصاء أمتي الصوم، ولا تحرموا طيبات ما احل الله لكم، ومن سنتي أنام وأقوم وأفطر وأصوم فمن رغب عن سنتي فليس مني، فقال عثمان: والله لوددت يا رسول الله أيّ التجارة أحب إلى الله تعالى فأتجر فيها، فنزلت» وقيل: أدلكم، أي: سأدلكم، والتجارة: الجهاد، قال الله تعالى: ﴿إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم﴾ (التوبة: ١١١)
الآية، وهذا خطاب لجميع المؤمنين. وقيل: نزل هذا حين قالوا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى لعملنا به. قال البغوي: وجعل هذا بمنزلة التجارة لأنهم يربحون بها رضا الله تعالى، ونيل جنته والنجاة من النار وقرأ ابن عامر بفتح النون وتشدد الجيم، والباقون بسكون النون وتخفيف الجيم
ثم بين سبحانه تلك التجارة بقوله تعالى: ﴿تؤمنون﴾ أي: تدومون على الإيمان ﴿بالله﴾ أي: الذي له جميع صفات الكمال، وعلى هذا فلا ينافي ذلك قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ وقيل: المراد من هذه الآية المنافقون وهم الذين آمنوا في الظاهر، وقيل: أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى فإنهم آمنوا بالكتب المتقدمة ﴿ورسوله﴾ الذي تصديقه آية الإذعان للعبودية ﴿وتجاهدون﴾ بياناً لصحة إيمانكم على سبيل التجديد والاستمرار ﴿في سبيل الله﴾ أي: الملك الأعظم الذي لا أمر لغيره ﴿بأموالكم وأنفسكم﴾ وقدم الأموال لعزتها في ذلك الزمان، ولأنها قوام الأنفس فمن بذل ماله كله لم يبخل بنفسه، لأن المال قوامها. وقال القرطبي: ذكر الأموال أولاً لأنها التي يبدأ بها في الإنفاق ﴿ذلكم﴾ أي: الأمر العظيم من الإيمان وتصديقه بالجهاد ﴿خير لكم﴾ أي: من أموالكم