عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ * وَلَقَدِ اسْتُهْزِى؟َ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا؟ مِنْهُم مَّا كَانُوا؟ بِهِ؟ يَسْتَهْزِءُونَ * قُلْ سِيرُوا؟ فِى ا؟رْضِ ثُمَّ انظُرُوا؟ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * قُل لِّمَن مَّا فِى السَّمَاوَاتِ وَا؟رْضِ؟ قُل لِّلَّهِ؟ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ؟ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ رَيْبَ فِيهِ؟ الَّذِينَ خَسِرُو؟ا؟ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ يُؤْمِنُونَ * وَلَهُ؟ مَا سَكَنَ فِى الَّيْلِ وَالنَّهَارِ؟ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَا؟رْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَيُطْعَمُ؟ قُلْ إِنِّى؟ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ؟ وَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنِّى؟ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَـ؟ـ؟ِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ؟؟ وَذَالِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ * وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَ كَاشِفَ لَهُ؟؟ إِs هُوَ؟ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ؟؟ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}
﴿ولو جعلناه﴾ أي: المنزل إليهم ﴿ملكاً لجعلناه﴾ أي: الملك ﴿رجلاً﴾ أي: على صورته ليتمكنوا من رؤيته إذ لا قوّة للبشر على رؤية الملك في صورته وإنما رآه كذلك الأفراد من الأنبياء لقوّتهم القدسية وقوله تعالى: ﴿وللبسنا عليهم ما يلبسون﴾ جواب محذوف أي: ولو أنزلناه وجعلناه رجلاً للبسنا أي: لخلطنا عليهم بجعلنا إياه رجلاً ما يخلطون على أنفسهم وعلى غيرهم فيقولون: ما هذا إلا بشر مثلكم وإنما كان تلبيساً لأنهم لبسوا على ضعفتهم في أمر النبيّ ﷺ فقالوا: إنما هو بشر مثلكم ولو رأوا الملك رجلاً للحقهم من اللبس مثل ما لحق الضعفاء منهم فيكون اللبس نقمة من الله وعقوبة لهم على ما كان منهم من التخليط في السؤال واللبس على الضعفاء.
وقوله تعالى:
﴿ولقد استهزىء برسل من قبلك﴾ فيه تسلية للنبي ﷺ على ما يرى من قومه ﴿فحاق﴾ قال الربيع بن أنس: فنزل، وقال عطاء: فحل، وقال الضحاك: فأحاط ﴿بالذين سخروا منهم﴾ أي: من أولئك الرسل ﴿ما كانوا به يستهزؤن﴾ وهو العذاب فكذا يحيق بمن استهزأ بك.
﴿قل﴾ لهم ﴿سيروا في الأرض﴾ أي: أوقعوا السير للاعتبار فيها ولا تغتروا بإمهالكم وتمكينكم ﴿ثم انظروا كيف كان عاقبة﴾ أي: آخر أمر ﴿المكذبين﴾ الرسل من هلاكهم بالعذاب فإنكم إذا شاهدتم تلك الآثار كمل لكم الاعتبار بهم.
﴿قل﴾ لهم ﴿لمن ما في السموات والأرض﴾ خلقاً وملكاً وهو سؤال تبكيت ﴿قل﴾ إن لم يقولوه لا جواب غيره لأنه المتعين للجواب بالاتفاق إذ لا يمكنهم أن يذكروا غيره ﴿كتب﴾ أي: قضى ﴿على نفسه الرحمة﴾ تفضلاً منه وإحساناً، فالرحمة تعم الدارين ومن ذلك الهداية إلى معرفته والعلم بتوحيده بنصب الأدلة وإنزال الكتب والإمهال على الكفرة والعصاة والمذنبين ولو شاء لسلط عليهم المضار وجعل عيشهم من غير اللذيذ كالتراب وبعض القاذورات التي تعيش فيها الحيوانات.
روي أنه ﷺ قال: «لما قضى الله الخلق كتب كتاباً عنده فوق عرشه: إنّ رحمتي غلبت غضبي» وفي رواية «سبقت غضبي» وفي رواية «إنّ لله تعالى مئة رحمة واحدة بين الجنّ والإنس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحوش على أولادها وأخر تسعاً وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة».
وروي أنه ﷺ قدم عليه سبي فإذا امرأة من السبي قد غلب ثديها إذ وجدت صبياً في السبي أخذته وألصقته ببطنها وأرضعته فقال النبيّ ﷺ «أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار وهي تقدر على أن لا تطرحه» فقلنا: لا والله يا رسول الله فقال: «الله أرحم بعباده من هذه بولدها» وقوله تعالى: ﴿ليجمعنكم﴾ استئناف واللام لام القسم أي: والله ليجمعنكم ﴿إلى يوم القيامة﴾ أي: في يوم القيامة وإلى بمعنى في أو ليجمعنكم في القبور مبعوثين إلى يوم القيامة فيجازيكم بأعمالكم، وقيل: بدل من الرحمة بدل البعض فإن من رحمته بعثه إياكم وإنعامه عليكم ﴿لا ريب﴾ أي: لا شك ﴿فيه﴾ أي: اليوم أو الجمع، وقوله تعالى: ﴿الذين خسروا أنفسهم﴾ في موضع نصب على الذم أو رفع على الخبر أي: وأنتم الذين خسروا أنفسهم بتضييع رأس مالهم وهو الفطرة الأصلية أو مبتدأ خبره ﴿فهم لا يؤمنون﴾.
فإن قيل: الفاء تدل على أنّ عدم إيمانهم مسبب عن خسرانهم مع أنّ الأمر على العكس؟ أجيب: بأنّ إبطال العقل باتباع الحواس والوهم والانهماك في التقليد وإغفال النظر أدّى بهم إلى الإصرار على الكفر والامتناع عن الإيمان وقوله تعالى:
﴿وله ما سكن﴾ أي: حل ﴿في الليل والنهار﴾ عطف على لله أي: له كل شيء من حيوان وغيره لأنه خالقه ومالكه وقيل له: ما سكن
العمل لله فإذا اطلع عليه سرّني فقال: «إن الله لا يقبل ما شورك فيه فنزلت تصديقاً، وروي أنه قال له: لك أجران أجر السر وأجر العلانية» وذلك إذا قصد أن يقتدي به، وروي أنه ﷺ قال: «اتقوا الشرك الأصغر قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء» وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول عن الله تعالى: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملاً أشرك فيه غيري فأنا منه بريء هو للذي عمله»، وعن سعيد بن فضالة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إذا جمع الله تبارك وتعالى الناس ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان يشرك في عمل عمله لله فليطلب ثوابه منه فإن الله تعالى أغنى الشركاء عن الشرك» والآية جامعة لخلاصتي العلم والعمل وهما التوحيد والإخلاص في الطاعة.
خاتمة: روي في فضائل سورة الكهف أحاديث كثيرة منها ما رواه الترمذي وغيره من قرأها عند مضجعه كان له نور يتلألأ في مضجعه إلى مكة حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يقوم وإن كان مضجعه بمكة كان له نور يتلألأ من مضجعه إلى البيت المعمور حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يستيقظ، وروي أبو الدرداء عن النبي ﷺ أنه قال: «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال»، وقال البيضاوي وعنه عليه السلام: «من قرأ سورة الكهف من آخرها كانت له نوراً من قرنه إلى قدمه»، ولكن الذي رواه الإمام أحمد: «من قرأ أول سورة الكهف كانت له نوراً من فرقه إلى قدمه، ومن قرأها كلها كانت له نوراً من الأرض إلى السماء»، وروى البغوي عن النبي ﷺ أنه قال: «من قرأ أوّل سورة الكهف وآخرها كانت له نوراً من قدمه إلى رأسه، ومن قرأها كلها كانت له نوراً من الأرض إلى السماء» فنسأل الله تعالى أن ينوّر قلوبنا وأبصارنا وأن يغفر زلاتنا ولا يؤاخذنا بسوء أفعالنا، وأن يفعل ذلك بوالدينا وأولادنا وأقاربنا وأصحابنا ومشايخنا وجميع إخواننا المسلمين وأحبابنا آمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً دائماً إلى يوم الدين.
سورة مريم
عليها السلام مكية
وهي ثمان وتسعون آية، وسبعمائة واثنان وستون كلمة، وثلاثة آلاف وثمانمائة حرف وحرفان
﴿بسم الله﴾ المنزه عن كل شائبة نقص القادر على كل ما يريد ﴿الرحمن﴾ الذي عم نواله سائر مخلوقاته ﴿الرحيم﴾ بسائر خلقه، واختلف في تفسير قوله تعالى:
﴿كهيعص﴾ قال ابن عباس: هو اسم من أسماء الله تعالى، وقال قتادة: هو اسم من أسماء القرآن، وقيل: هو اسم الله الأعظم، وقيل: هو اسم السورة، وقيل: قسم أقسم الله به. وعن الكلبي: هو ثناء أثنى الله به على نفسه، وعنه معناه كاف لخلقه هاد لعباده يده فوق أيديهم عالم ببريته صادق في وعده.
وعن ابن عباس قال: الكاف من كريم وكبير، والهاء من هاد، والياء من رحيم، والعين من عليم وعظيم، والصاد من صادق، وقيل: إنه من المتشابه الذي استأثر الله تعالى بعلمه، وقد تقدّم الكلام على ذلك في أوّل سورة البقرة،
وقيل: هو قيام الخيل مطلقاً، أي: سواء وقف على طرف سنبكه أم لا، قال الفراء: على هذا رأيت أشعار العرب، واختلف أيضاً في قوله تعالى: ﴿الجياد﴾ فهي إما من الجودة ويقال: جاد الفرس يجود جودة وجودة بالفتح والضم فهو جواد للذكر والأنثى، وهو الذي يجود في جريه بأعظم ما يقدر عليه، والجمع جياد وأجواد وأجاويد، وقيل: جمع لجود بالفتح كثياب وثوب، وإما من الجيد وهو العنق، والمعنى: طويلة الأجياد وهو دال على فراهتها.
قال الكلبي: غزا سليمان أهل دمشق ونصيبين فأصاب منهم ألف فرس، وقال مقاتل: ورث سليمان من أبيه داود ألف فرس، وقال عوف عن الحسن: بلغني أنها كانت خيلاً خرجت من البحر لها أجنحة، وعن عكرمة: أنها كانت عشرين ألف فرس لها أجنحة فصلى سليمان الصلاة الأولى التي هي الظهر وقعد على كرسيه وهي تعرض عليه منها تسعمائة فرس فتنبه لصلاة العصر فإذا الشمس قد غربت وفاتته الصلاة ولم يعلم بذلك هيبة له فاغتم لذلك.
﴿فقال إني أحببت﴾ أي: أردت ﴿حب الخير﴾ أي: الخيل ﴿عن ذكر ربي﴾ أي: صلاة العصر ﴿حتى توارت﴾ أي: الشمس ﴿بالحجاب﴾ أي: استترت بما يحجبها عن الأبصار.
﴿ردوها علي﴾ أي: الخيل المعروضة، وقيل: الضمير يرجع للشمس، قال الرازي: وهذا بعيد لوجوه.
الأول: أن الصافنات مذكورة بالصريح والشمس غير مذكورة وعود الضمير إلى المذكور أولى من عوده إلى المقدر.
وثانيها: أنه لو اشتغل بالخيل حتى غربت الشمس وفاتته صلاة العصر كان ذلك ذنباً عظيماً ومن كان هذا حاله فطريقه التضرع والبكاء والمبالغة في إظهار التوبة، فأما أن يقول على سبيل العظمة لرب العالمين مثل هذه الكلمة العارية عن كل جهات الأدب عقب ذلك الجرم العظيم الذي لا يصدر عن أبعد الناس عن الخير فكيف يجوز إسناده للرسول عليه السلام المطهر المكرم.
ثالثها: أن الشمس لو رجعت بعد الغروب لصار ذلك مشاهداً لكل أهل الدنيا ولو كان كذلك لتوفرت الدواعي على نقله وحيث لم ينقل علمنا فساده، انتهى. قال أكثر المفسرين: فلما ردوا الخيل إليه أقبل يضرب سوقها وأعناقها بالسيف أخذاً من قوله تعالى ﴿فطفق مسحاً﴾ أي: فأخذ يمسح السيف مسحاً ﴿بالسوق والأعناق﴾ أي: سوقها وأعناقها يقطعها من قولهم: مسح علاوته إذا ضرب عنقه، قالوا: فعل ذلك تقرباً إلى الله تعالى وطلباً لمرضاته حيث اشتغل عن طاعته وكان ذلك مباحاً له وإن كان حراماً علينا كما أبيح لنا ذبح بهيمة الأنعام وبقي منها مائة فرس فما بقي في أيدي الناس اليوم من الخيل من نسل تلك المائة.
قال الحسن: فلما عقر الخيل أبدله الله تعالى خيراً منها وأسرع وهي الريح تجري بأمره كيف شاء، قال الرازي: وهذا عندي بعيد لوجوه.
الأول: أنه لو كان مسح السوق والأعناق قطعها لكان معنى فامسحوا برؤوسكم أي: اقطعوها وهذا لا يقوله عاقل بل لو قيل: مسح رأسه بالسيف فربما فهم منه ضرب العنق أما إذا لم يذكر لفظ السيف لم يفهم منه البتة من المسح العقر والذبح.
الثاني: أن القائلين بهذا القول أجمعوا على أن لسليمان عليه السلام أنواعاً من الأفعال المذمومة فأولها: ترك الصلاة وثانيها: أنه استولى عليه الإشتغال بحب الدنيا حتى نسي الصلاة وقال صلى الله عليه
رضي الله تعالى عنها: كلا والله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق». ونحو هذا من الكمال الذي يثبت. وقيل: إنه ﷺ كان نائماً في الليل متزملاً في قطيفة، فنبه ونودي بما يهجن تلك الحالة التي كان عليها من التزمل في قطيفته، فقيل له ﴿يا أيها المزمّل﴾ ﴿قم الليل﴾ أي: الذي هو وقت الخلوة والخفية والستر، فصل لنا في كل ليلة من هذا الجنس، وقف بين يدينا بالمناجاة والأنس بما أنزل عليك من كلامنا، فإنا نريد إظهارك وإعلاء قدرك في البرّ والبحر والسرّ والجهر، وقيام الليل في الشرع معناه الصلاة فلذا لم يقيده وهي جامعة لأنواع الأعمال الظاهرة والباطنة وهي عمادها فذكرها دال على ما عداها.
ولما كان للبدن حظ في الراحة قال تعالى مستثنياً من الليل ﴿إلا قليلاً﴾ أي: من كل ليلة، فإن الاشتغال بالنوم فعل من لا يهمه أمر ولا يعنيه شأن ألا ترى إلى قول ذي الرمة:

*وكائن تخطت ناقتي من مفازة ومن نائم عن نيلها متزمل*
يريد الكسلان المتقاعس الذي لا ينهض في معاظم الأمور وكفايات الخطوب ولا يحمل نفسه المشاق والمتاعب ونحوه.
*سهداً إذا ما نام ليل الهوجل*
ومن أمثالهم:
*أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل*
فذمه بالاشتمال بكسائه وجعل ذلك خلاف الجلد والكيس، وأمر بأن يختار على الهجود التجهد، وعلى التزمل التشمر والتخفف للعبادة والمجاهدة في الله لا جرم أنّ رسول الله ﷺ قد تشمر لذلك مع أصحابه حق التشمر وأقبلوا على إحياء ليلهم ورفضوا له الرقاد والدعة، وتجاهدوا فيه حتى انتفخت أقدامهم واصفرّت ألوانهم وظهرت السيما في وجوههم وتراقى أمرهم إلى حدّ رحمهم له ربهم فخفف عنهم، وقال الكلبي: إنما تزمّل ﷺ بثيابه ليتهيأ للصلاة وهو اختيار الفرّاء فهو على هذا ليس بتهجين بل هو ثناء عليه وتحسين لحاله التي كان عليها وأمر بأن يدوم على ذلك ويواظب عليه، وعن عكرمة رضي الله عنه أنّ المعنى يا أيها الذي زمل أمراً عظيماً أي حمله، والزمل الحمل.
قال البغوي: قال الحكماء: كان هذا الخطاب للنبيّ ﷺ في أوّل الوحي قبل تبليغ الرسالة، ثم خوطب بعد بالنبيّ والرسول، وقال السيهلي: ليس المزمل من أسماء النبيّ ﷺ كما ذهب إليه بعض الناس، وعدّوه في أسمائه ﷺ وإنما المزمل اسم مشتق من حاله التي كان عليها حين الخطاب، وكذلك المدّثر.
وفي خطابه بهذا الاسم فائدتان:
إحداهما: الملاطفة فإنّ العرب إذا قصدت ملاطفة المخاطب وترك المعاتبة سموه باسم مشتق من حالته التي هو عليها كقول النبيّ ﷺ لعليّ حين غاضب فاطمة رضي الله تعالى عنهما فأتاه وهو نائم وقد لصق بجنبه التراب، فقال له: قم أبا تراب» إشعاراً له بأنه غير عاتب عليه وملاطفة له، وكذلك «قوله ﷺ لحذيفة: قم يا نومان» وكان نائماً ملاطفة له وإشعاراً بترك العتب والتأنيب، فقول الله تعالى لمحمد ﷺ ﴿يا أيها المزمل قم﴾ فيه تأنيس له وملاطفة ليستشعر أنه غير عاتب عليه.
والفائدة الثانية: التنبيه لكل متزمل راقد ليله أن يتنبه إلى قيام الليل وذكر الله تعالى فيه؛ لأنّ الاسم المشتق من الفعل يشترك فيه مع المخاطب كل من


الصفحة التالية
Icon