وقوله تعالى: ﴿وأن تقوموا﴾ في محل نصب بإضمار فعل أي: ويأمركم أن تقوموا ﴿لليتامى﴾ بالقسط أي: العدل من الميراث وغيره، والخطاب للأئمة في أن ينظروا لهم ويستوفوا حقهم أو للقوّام بالنصفة في شأنهم ﴿وما تفعلوا من خير﴾ أي: في ذلك أو غيره ﴿فإن الله كان به عليماً﴾ أي: فيجازيكم عليه فإنه أكرم الأكرمين فطيبوا نفساً وقرّوا عيناً، قال سعيد بن جبير: كان رجل له امرأة قد كبرت وله منها أولاد فأراد أن يطلقها ويتزوّج غيرها فقالت له: لا تطلقني ودعني على ولدي واقسم لي من كل شهرين إن شئت وإن شئت فلا تقسم لي فقال: إن كان يصلح ذلك فهو أحب إليّ فأتى رسول الله ﷺ فأنزل الله تعالى.
﴿وإن امرأة﴾ مرفوع بفعل يفسره ﴿خافت﴾ أي: توقعت ﴿من بعلها﴾ أي: زوجها ﴿نشوزاً﴾ أي: تجافياً عنها وترفعاً عن صحبتها كراهة لها ومنعاً لحقوقها ﴿أو إعراضاً﴾ بأن يقل محادثتها ومجالستها ﴿فلا جناح عليهما﴾ أي: الزوج والزوجة ﴿أن يصلحا بينهما صلحاً﴾ أي: في القسم
صلى الله عليه وسلم ولزمتهم الحجة وغلبوا أخذوا يتعللون باقتراح الآيات فعل المبهوت المحجوج المتعثر في أذيال الحيرة وذكروا من ذلك ستة أنواع من المعجزات أوّلها:
﴿وقالوا﴾ أي: كفار قريش ومن والاهم ﴿لن نؤمن لك حتى تفجر﴾ أي: تفجيراً عظيماً ﴿لنا من الأرض ينبوعاً﴾ أي: عيناً غزيرة الماء من شأنها أن تنبع بالماء ولا ينضب ماؤها. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بفتح التاء وسكون الفاء وضم الجيم مخففة والباقون بضم التاء وفتح الياء وكسر الجيم المشدّدة ثانيها قولهم:
﴿أو تكون لك﴾ أنت وحدك ﴿جنة من نخيل وعنب﴾ أي: وأشجار عنب عبر عنه بالثمرة لأنّ الانتفاع منه بغيرها قليل ﴿فتفجّر الأنهار﴾ الجارية ﴿خلالها﴾ أي: وسطها ﴿تفجيراً﴾ أي: تشقيقاً والفجر شق الظلام عن عمود الصبح والفجور شق جلباب الحياء بما يخرج إلى الفساد ثالثها قولهم:
﴿أو تسقط السماء﴾ أي: نفسها ﴿كما زعمت﴾ فيما تتوعدنا به ﴿علينا كسفاً﴾ أي: قطعاً جمع كسفة وهي القطعة. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بنصب السين مثل قطعة وقطع وسدرة وسدر، والباقون بسكونها مثل دمنة ودمن وسدرة وسدر وهو نصب على الحال في القراءتين جميعاً كأنه قيل أو تسقط السماء علينا مقطعة. رابعها: قولهم: ﴿أو تأتي﴾ معك ﴿بالله﴾ أي: الملك الأعظم ﴿والملائكة قبيلاً﴾ أي: عياناً ومقابلة ننظر إليه لا يخفى علينا شيء منه. وقال الضحاك: هو جمع قبيلة، أي: أصناف الملائكة قبيلة قبيلة. قال ابن هانئ كفيلاً، أي: يكفلون بما تقول. خامسها: قولهم:
﴿أو يكون لك﴾ أي: خاصاً بك ﴿بيت من زخرف﴾ أي: ذهب كامل الحسن والزينة. سادسها: قولهم: ﴿أو ترقى﴾ أي: تصعد ﴿في السماء﴾ درجة درجة ونحن ننظر إليك صاعداً ﴿ولن نؤمن﴾ أي: نصدق مذعنين ﴿لرقيك﴾ أي: أصلاً ﴿حتى تنزل﴾ وحققوا معنى كونه من السماء بقولهم ﴿علينا كتاباً﴾ ومعنى كونه في رق أو نحوه بقولهم ﴿نقرؤه﴾ يأمرنا فيه بأتباعك. روى عكرمة عن ابن عباس أنّ عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا البحتري بن هشام وعبد الله بن أمية وأمية بن خلف والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام والعاص بن وائل ونبهانا ومنبهاً ابني الحجاج اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه فبعثوا إليه أنّ أشراف قومك قد اجتمعوا لك يكلمونك فجاءهم رسول الله ﷺ سريعاً وهو يظنّ أنهم بدا لهم في أمره بداء وكان عليهم حريصاً يحب رشدهم حتى جلس إليهم فقالوا: يا محمد إنا بعثنا إليم لنعذر فيك وإنا والله لا نعلم أنّ رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك لقد شتمت الآباء وعيبت الدين وسفهت الأحلام وشتمت الآلهة وفرقت الجماعة فما بقي أمر قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك فإن كنت جئت بهذا الحديث تطلب به مالاً جعلنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد الشرف سودناك علينا وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي بك رئيا تراه قد غلب عليك لا تستطيع ردّه بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه، أو نعذر فيك وكانوا يسمون التابع من الجنّ الرئي. فقال رسول الله ﷺ «ما بي مما تقولون ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم ولا للشرف عليكم ولا للملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولاً وأنزل عليّ كتاباً
الألف والحاء، وترك سبعة وترك من القسم الأخير حرفين هما الألف واللام، وذكر سبعة ولم يترك من القسم الأول من حروف الحلق والصدر إلا واحداً لم يذكره وهو الخاء، ولم يذكر من القسم الأخير من حروف الشفة إلا واحداً لم يتركه وهو الميم والعشر الأوسط ذكر منه حرفاً وترك حرفاً فترك الزاي وذكر الراء، وذكر السين وترك الشين وذكر الصاد وترك الضاد وذكر الطاء وترك الظاء وذكر العين وترك الغين، وليس لها أمر يقع اتفاقاً بل هو ترتيب مقصود فهو لحكمة لكنها غير معلومة.
وهب أن واحداً يدعى فيه شيئاً فماذا يقول في كون بعض السور مفتتحة بحرف كسورة ن وق وص، وبعضها بحرفين كسورة حم ويس وطس وطه، وبعضها بثلاثة أحرف كألم وطسم والر، وبعضها بأربعة أحرف كسورة المر والمص، وبعضها بخمسة أحرف كسورة حم عسق وكهعيص.
وهب أن قائلاً يقول: إن هذه إشارة بأن الكلام إما حرف وإما فعل وإما اسم، والحرف كثيراً ما جاء على حرف كواو العطف وفاء التعقيب وهمزة الاستفهام وكاف التشبيه وباء الإلصاق وغيرها، وجاء على حرفين كمن للتبعيض وأو للتخيير وأم للاستفهام المتوسط وإن للشرط وغيرها، والفعل والاسم والحرف جاءت ثلاثة أحرف كإلى وعلى في الحرف وإلى وعلى في الاسم وألا يألوا بالواو، وعلا يعلو في الفعل والاسم، والفعل جاء على أربعة أحرف، والاسم خاصة جاء على ثلاثة أحرف وأربعة وخمسة كعجل ومسجد وجردحل.
فما جاء في القرآن إشارة إلى أن تركيب العربية من هذه الحروف على هذه الوجوه فماذا يقول هذا القائل في تخصيص بعض السور بالحرف الواحد والبعض بأكثر فلا يعلم ما السر إلا الله تعالى، ومن أعلمه الله تعالى به.
وإذا علم هذا فالعبادة منها قلبية ومنها لسانية ومنها جارحية، وكل واحد منها قسمان: قسم عقل معناه وحقيقته، وقسم لم يعلم، أما القلبية مع أنها أبعد عن الشك والجهل فمنها ما لم يعلم دليله عقلاً، وإنما وجب الإيمان به والاعتقاد سمعاً كالصراط الذي هو أدق من الشعر وأحد من السيف ويمر عليه المؤمن كالبرق الخاطف، والميزان الذي توزن به الأعمال التي لا ثقل لها في نظر الناظر، وكيفية الجنة والنار، فإن هذه الأشياء وجودها لم يعلم بدليل عقلي، وإنما المعلوم بالعقل إمكانها ووقوعها معلوم مقطوع به بالسمع، ومنها ما علم كالتوحيد والنبوة وقدرة الله تعالى وصدق الرسل، وكذلك في العبادات الجارحية ما علم معناه وما لم يعلم كمقادير النصب وعدد الركعات.
والحكمة في ذلك أن العبد إذا أتى بما أمر به من غير أن يعلم ما فيه من الفائدة فلا يكون الإتيان إلا لمحض الفائدة بخلاف ما لم تعلم الفائدة، فربما تأتي الفائدة وإن لم يؤمر كما لو قال السيد لعبده: انقل هذه الحجارة من ههنا ولم يعلمه بما في النقل فنقلها، ولو قال: انقلها فإن تحتها كنزاً هو لك فإنه ينقلها وإن لم يؤمر.
وإذا علم هذا فكذلك في العبادات اللسانية الذكرية يجب أن يكون ما لم يفهم معناه إذا تكلم به العبد علم أنه لا يعقل غير الانقياد لأمر المعبود الإلهي فإذا قال: حم طس يس علم أنه لا يذكر ذلك لمعنى يفهمه بل يتلفظ به امتثالاً لما أمر به، انتهى كلام ابن عادل بحروفه وهو كلام دقيق، وقرأ يس بإمالة الياء شعبة وحمزة والكسائي، والباقون بالفتح، وأظهر النون من يس عند واو.
﴿والقرآن﴾ قالون وابن كثير وأبو عمرو وحفص وحمزة،
أي: بمالنا من العظمة بواسطة ملكنا جبريل عليه السلام ﴿فيه﴾، أي: في جيب درعها. قال البقاعي: أو في فرجها الحقيقي، وعلى هذا فلا حاجة إلى التأويل ﴿من روحنا﴾، أي: من روح خلقناه بلا تواسط أصل وهو روح عيسى عليه السلام ﴿وصدقت بكلمات ربها﴾، أي: المحسن إليها واختلف في تلك الكلمات فقال: مقاتل يعني بالكلمات عيسى وأنه نبىّ وعيسى كلمة الله وقال البغوي: يعني الشرائع التي شرعها الله تعالى للعباد بكلماته المنزلة وقيل: هي قول جبريل عليه السلام لها ﴿إنما أنا رسول ربك﴾ (مريم: ١٩) الآية، وعلى كل قول استحقت أن تسمى لذلك صديقة، وقرأ: ﴿وكتبه﴾ أبو عمرو وحفص بضم الكاف والتاء جمعاً، والباقون بكسر الكاف وفتح التاء وبعدها ألف إفراداً والمراد منه الكثرة فالمراد به الجنس فيكون في معنى كل كتاب أنزله الله تعالى على ولدها أو غيره.
وقوله تعالى: ﴿وكانت من القانتين﴾ يجوز في ﴿مَن﴾ وجهان:
أحدهما: أنها لابتداء الغاية.
والثاني: أنها للتبعيض. وقد ذكرهما الزمخشري فقال: فمن للتبعيض، ويجوز أن تكون لابتداء الغاية أنها ولدت من القانتين لأنها من أعقاب هارون أخي موسى صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهما وعليها وعلى سائر الأنبياء وآلهم أجمعين.
قال الزمخشري: فإن قلت لم قيل: من القانتين على التذكير؟
قلت: لأن القنوت صفه تشمل من قنت من القبيلين فغلب ذكوره على إناثه. وقيل: أراد من القوم القانتين، ويجوز أن يرجع هذا إلى أهل بيتها فإنهم كانوا مطيعين لله، والقنوت: الطاعة، وقال عطاء: من المصلين بين المغرب والعشاء. وعن معاذ بن جبل: إنّ النبي ﷺ قال لخديجة وهي تجود بنفسها: «إذا قدمت على ضرّاتك فأقرئيهنّ منى السلام مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم» وعن أنس عن النبي ﷺ أنه قال: «كمل من نساء العالمين أربع مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون» وروى الشيخان عن أبي موسى الأشعري: «كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» وما قاله البيضاوي تبعاً للزمخشري من أنه ﷺ قال: «من قرأ سورة التحريم آتاه الله توبة نصوحاً» حديث موضوع.
سورة الملك
مكية
وتسمى: الواقية والمنجية، وتدعى في التوراة المانعة لأنها تقي وتنجي من عذاب القبر، وعن ابن شهاب أنه كان يسميها المجادلة لأنها تجادل عن صاحبها في القبر. وهي ثلاثون آية وثلاثمائة، وثلاثون كلمة، وألف وثلاثمائة حرف.
﴿بسم الله﴾ الذي خضعت لكمال عظمته الملوك ﴿الرحمن﴾ الذي عمّ بنعمة الإيجاد كل من في الوجود ﴿الرحيم﴾ الذي خص أولياءه بالنعيم بدار الخلود.
﴿تبارك﴾، أي: تكبر وتقدس وتعالى وتعاظم وثبت ثباتاً لا مثل له مع اليمن والبركة، وقيل: دام فهو الدائم الذي لا أول لوجوده ولا آخر لدوامه ﴿الذي بيده﴾ أي: بقدرته وتصرفه لا بقدرة غيره ﴿الملك﴾، أي: له الأمر والنهي