أنه قبل الوحي لم يتصف بالإيمان، وهو غير مراد لأنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبل البعثة مؤمنون لعصمتهم عن الكفر بلا خلاف، وكون المقصود نفي المجموع يأباه إعادة لا فإذا قيل إن الإيمان يكون بمعنى التصديق المجرّد، ويكون اسماً لمجموع التصديق والإقرار والإعمال التي لا سبيل إلى درايتها من غير سمع فهو مركب، والمركب ينتفي بانتفاء بعض أجزائه، والإيمان مستعمل في لسان الشرع بهذا المعنى كما في قوله: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [سورة البقرة، الآية: ١٤٣] فلذا عبر بتدري دون أن يقال لم تكن مؤمناً، ومعرفة الأعمال المعتد بها إثما تكون بالسمع للشرائع فإذا نفى عنه ذلك لزم نفي كونه متعبدا بشريعة من شرائع غيره من الأنبياء السابقين، وسقط ما قيل إن الآية لا تدلّ على ذلك فإنه إذا لم يدر شرعا كيف يتعبد به، فما قيل عدم الدراية لا يلزمه عدم التعبد بل سقوط الإثم إن لم يكن تقصيرا لا وجه له، وقوله: قبل الوحي أي قبل كونه نبيا بقرينة ما يليه ولا يلزم مخالفة ما أجمعوا عليه من عصمة الأنبياء عن الكفر مطلقا كما توهم. قوله: (وقيل المراد هو الإيمان بما لا طريق إليه إلا السمع (هذا هو ما ارتضاه البغوي حيث فسر الإيمان بشرائع الإيمان، ومعالمه لثلا يلزمه ما مرّ من عدم إيمان النبيّ قبل البعثة، وقد عرفت إنه مندفع بغير هذا الطريق كما مرّ ولا يلزمه نفي الإيمان عمن لا يعمل الطاعات والأعمال كما مرّ، ومن ظن إنه لا بد في دفع ما مرّ من الذهاب إلى هذا القيل قال إن هذا القول هو الحق ولم يتفطن إلى أنه يلزمه إطلاق الإيمان على الأعمال وحدها، وهو خلاف المعروف ومن خلاف الظاهر ما قيل: إن المراد ما كنت تدري في حال الطفولية، وكذا ما قيل إنّ ما الثانية استفهامية. قوله:) أي الروح (بمعنى الوحي ووقع في نسخة عطف الكتاب بالواو على أنه تفسير للروح وله وجه، ورجوعه للإيمان أقرب، وقوله: بالتوفيق الخ كان الظاهر تقديمه ليكون تفسيراً لقوله: نهدي به من نشاء من عبادنا، وقوله: بارتفاع الوسايط يعني يوم القيامة فصيغة المضارع على ظاهرها من الاستقبال، وقيل: إنها للاستمرار والأظهر الأوّل، والحديث المذكور موضوع تمت السورة بحمد الله والاصلاة على نبيه وآله وصحبه.
سورة الزخرف
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله:) مكية (بالإجماع إلا الآية المكذورة فقيل: نزلت بالمدينة، وقيل: نزلت بالسماءفي المعراج وسيأتي الكلام عليه في تفسيرها وآياتها تسع وثمانون، وقيل: ثمان وثمانون والاختلاف في قوله: وهو مهين. قوله:) أقسم بالقرآن الخ) إشارة إلى أتي المراد بالكتاب هنا القرآن إمّا جميعه، أو جنسه الصادق بكله وبعضه فيدخل فيه هذه السورة سواء كانت الواو للقسم أو عاطفة على حم، وهو اسم السورة أو القرآن على الوجوه السالفة فيه لكنه يلزمه حذف حرف الجر وابقاء عمله، و! م يحتج إلى أن المراد به جنس الكتب المنزلة ولا المكتوب في اللوح كما قيل، ولا أنّ المراد به المعنى المصدري، وهو الكتابة والخط وأنه تعالى أقسم بها لما فيها من المنافع لأن بها صيد أو أبد المعاني واقتناص شوارد العلوم كما ذهب إليه الإمام، ومن اقتدى به لأنّ ما ذكر أنسب بالمقام، وأقرب للإفهام. قوله: (لتناسب القسم والمقسم عليه) فإنها من واد واحد وقد عذوا مثله من المحسنات البديعية لما فيه من التنبيه على أنه لا شيء أعلى منه حتى يقسم به عليه وأنه ئابت بنفسه من غير احتياج إلى شيء آخريثبت، وان كان القسم بنفس الكتاب، والمقسم عليه صفته من كونه قرآنا عربيا عبر بالتناسب دون الاتحاد، وهو رد عليهم في قولهم إنه مفتري ومختلق. قوله:) كقول أبي تمام (في قصيدة له أوّلها:
وثناياك إنها اغريض ولآل توم وبرق وبيض
وأقاج منوّر في بطاح هزه في الصباج روض أريض
إلى آخرها. وخطاب ثناياك إنها بكسر الكاف للمحبوبة، وهي مقدم الثنايا والإغريفر والغريض الطلع، ويقال لكل