سورة الحجرات
بسا الله الرحمن الرحيم
قوله: (مدنية) وفي قول شاذ أنها مكية وانتظام أوّل هذه السورة بآخر السورة السابقة
ظاهر وقد فصله في التيسير ولا خلاف في عددها. قوله: (أي لا تقدّموا أمراً) يعني أنه متعد حذف مفعوله لأنه أريد به العموم أو أنه نزل منزلة اللازم لعدم القصد إلى المفعول كما تقولط فلان يعطي ويمنع، أو هو لازم فإن قدم يرد بمعنى تقدّم كبين فإنه متعد ويكون لازماً بمعنى تبين، فقوله: لا تقدّموا على حذف المفعول العام كما بينه بقوله: فحذف الخ، وقدمه لأنّ لزومه وتنزيله منزلة اللازم على خلاف الأصل فليس بيانا لمآل المعنى على الوجوه فلا ينافي كونه مما ترك فيه المفعول كما قيل. قوله: (ليذهب الوهم الخ) يعني إنه لاحتماله لأمور لو قدر أحدها كان ترجيحاً بلا مرجح فيقدر أمراً عاماً لأنه أفيد مع الاختصار، وقوله: لأنّ المقصود الخ يعني المقصود بالنفي حقيقة التقديم على الرسول بقطع النظر عما يقدم بين يديه والزمخشري رجح الوجه الأوّل على ما عداه وقال: إنه الأوجه الأبلغ لما فيه من الإيجاز مع الفائدة التامّة للعموم واستعماله على أعرف اللغتين فيه مع المطابقة لما نزل في شأنه، وفي الكشف فإن قلت الظرف هاهنا بمنزلة مفعول التقدّم يعني عليه والتقدّم بين يدي المرء خروح عن صفة المتابعة فالتمثيل عليه أوقع، قلت: التقديم وهو أن تجعل أحدا إمّا نفسك أو غيرك متقدّما بين يديه أكثر اسنهجانا وأدلّ على الخروح عنها فافهم يعني أنّ التعدي على الوجهين أبلغ من اللزوم، وإن سلم من الحذف والتقدير الذي هو على خلاف الأصل لما ذكر، ثم إنه ربما يتوهم أنّ الظرف إذا تعلق به العامل قد ينزل منزلة المفعول فيفيد العموم كما قرّروه في مالك يوم الدين، والتقديم بين يديه فيه خروج عن المتابعة حساً فهو أوفق لاستعارته لعدم المتابعة المعنوية المقصودة هنا فتخريجه على اللزوم أبلغ ولا يضرّه عدم الشهرة فإنه لا يقاوم الأبلغية المطابقة للمقام فأشار إلى دفعه بأنّ المراد النهي عن مخالفة الكتاب والسنة والتعدية تفيد أنّ ذلك بجعل، وقصد منه للمخالفة وهو أقوى في الذم بالدلالة على تعمد عدم المتابعة لا صدورها عنه كيف ما اتفق، ومن لم يفهم مراده قال المتبادر إلى الذهن من التقديم جعل الغير متقدّما ليس إلا والظاهر أنّ التقدّم استحق من تقديم الغير مع ما بعده بموافقة القراءة الأخرى
فتدبر. قوله: (قراءة يعقوب) بحذف إحدى التاءين لأنه من التفعل وهو المطاوع اللازم، وقوله: من القدوم من الغيبة والسفر ففيه استعارة شبه تعجيلهم لقطع الحكم في أمر من أمور الدين بقدوم المسافر من سفره لما فيه من العزم، وشدة الرغبة كقوله تعالى ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا﴾ ولما فيه من البلاغة اختاره الزمخشريّ، وتبعه المصنف ولم يجعلاه من قدم إذا مضى في الحرب لأنه لا يناسب المقام بدون التجوّز ولا وجه له هنا، ومن لم يدر المراد اعترض بما ذكر. قوله: (مستعار مما بين الجهتين الخ) في هذا الكلام تجوز أن أحدهما في بين اليدين فإنّ حقيقتة ما بين العضوين فتجوز بهما عن الجهتين المقابلتين لليمين والشمال قريبا منه بإطلاق اليدين على ما يجاورهما ويحاذيهما فهو من المجاز المرسل، ثم استعيرت الجملة وهي التقدّم بين اليدين استعارة تمثيلية للقطع بالحكم بلا اقتداء ومتابعة لمن يلزم متابعته تصويراً لهجنته وشناعته بصورة المحسوس كتقدم الخادم بين يدي سيده في مسيره فنقلت العبارة الأولى بما فيها من المجاز إلى ما ذكر على ما عرف في أمثاله، هذا محصل ما في الكشاف وشروحه والمصنف اختصره اختصاراً مخلا اعتمادا على ظهور المراد ومراجعة أصله، وقوله: مستعار أراد به الاستعارة اللغوية فإنه بيان للتجوّز الأوّل وهو مجاز مرسل كما قرّرناه لك وأمّا حمله على معناه المعروف، ثم ادعاء أنه أراد الاستعارة في إضافة اليدين إلى الله سبحانه وتعالى فهو تعسف لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يدفع الإشكال ما لم يرجع لما ذكرناه، وقوله: ليدي الإنسان متعلق بالمسامتتين أي المقابلتين وقوله: تهجيناً أي تقبيحاً من الهجنة، وهي القباحة وقد بيناه لك. قوله: (لا تقطعوا أمرا قبل أن يحكما به) قطع الأمر الجزم به والجراءة على ارتكابه من غير إذن من له الإذن، وقوله: وقيل المراد الخ فهو من باب أعجبني زيد وكرمه، وقد مرّ ما يفيده من قوّة الاختصاص فالنهي عن التقدّم بين يدي الرسول ﷺ وهو أوفق لما يجيء بعده فإنّ